درس من رماد الحرب : نداء وجداني إلى شباب لبنان

بقلم محمود شعيب – كاتب وناشط سياسي

في مثل هذا اليوم، الثالث عشر من نيسان عام 1975، دوّى في سماء لبنان أول رصاصة في حربٍ لم ترحم أحدًا. حربٌ لم تكن نصرًا لأحد، بل خسارة جماعية كتبت بالدم تاريخًا لا يزال ينزف. خمسة عشر عامًا من الرعب، والقتل، والتهجير، والدمار… سنواتٌ سوداء مزّقت ما تبقّى من وطنٍ كان يحلم بالسلام، وحوّلت أزقّته إلى متاريس، وأحياءه إلى خطوط تماس، وأحلام شبابه إلى رماد.

الحرب التي خسِر فيها الجميع

لم تكن تلك الحرب صراعًا بسيطًا بين جماعاتٍ متناحرة، بل كانت انهيارًا أخلاقيًا ووطنيًا شاملًا. باسم الطائفة، سُفكت دماء الأبرياء. باسم الدفاع عن الحقوق، انتُهكت إنسانية الإنسان. اختلطت الحقائق، وضاعت البوصلة، وغرقت البلاد في لُجّة من الكراهية والتخوين. وبعد كل هذا، من انتصر؟ لا أحد. الخاسر الأكبر كان لبنان، الوطن الذي جُرِّد من كرامته، ومواطنه الذي لم يعد يجد في أرضه وطنًا، بل ساحة قتال.

إلى شباب لبنان: أنتم لا تشبهون تلك الحرب

أيها الشباب اللبناني، أنتم لستم أبناء تلك الحرب، لكنكم تحملون وزرها ومندوبها في كل تفصيلٍ من حياتكم: في نظامٍ طائفي مترنّح، في طبقةٍ سياسية تُتقن استنساخ الأزمات، في فرصٍ مهاجرة، وفي هوية وطنية ضائعة بين الولاءات. لا تسمحوا لأحد أن يجرّكم إلى مستنقعٍ جديد. لا تسمحوا للذاكرة المريضة أن تصوغ مستقبلكم.

أنتم جيلٌ مختلف. جيلٌ يحمل في يده التكنولوجيا، وفي قلبه طموح التغيير. لا تجعلوا من أنفسكم وقودًا لصراعات الآخرين. كونوا أنتم الصرخة في وجه التخوين، الجدار في وجه الطائفية، اليد التي تبني لا تهدم، والعقل الذي يفكر لا يتبع.

لبنان يحتاج ثورة وعي لا طلقة نار

إن السلاح الحقيقي ليس ما يُحمَل على الكتف، بل ما يُزرَع في العقل. وحده الفكر يُحدث التغيير، وحده الوعي يقاوم، ووحدها الكلمة تُسقط الطغيان. احملوا قضاياكم إلى الشارع لكن بكرامة، ناقشوا خصومكم بلا كراهية، طالبوا بحقوقكم بلا عنف. فلبنان لا يحتاج حربًا جديدة، بل يحتاج جيلًا جديدًا يقول: كفى.

لا لحربٍ جديدة، نعم لوطنٍ جديد

لتكن ذكرى الحرب الأهلية درسًا لا لعنة، عبرة لا لعبرة. لا تورثوا أولادكم وجعًا عشتموه أنتم، ولا تكرروا سيناريوهات كتبها الجهل والتعصّب. فالتاريخ لا يعيد نفسه إلا عندما ننساه، أو نتغافل عن دروسه.

كونوا أنتم الذاكرة الحيّة التي ترفض النسيان، وتُصرّ على بناء وطنٍ يُشبه أحلامكم، لا كوابيس آبائكم.

لبنان لا يُبنى إلا بكم… فهل أنتم مستعدون؟

اخترنا لك