بقلم عقل العويط
ليس بين الأفرقاء اللبنانيّين مَن لم يشارك، طوعًا أو قسرًا، في مسرح الأذى اللبناني، طوال نحوٍ من المئة والستّين عامًا الأخيرة.
هذه “واقعةٌ” تاريخيّةٌ ثابتة، أو شبه ثابتة، تؤكّدها المرويّات عن الأحداث والفواجع التي شهدها “جبل لبنان”، وشهدتها “دولة لبنان الكبير”، ولا تزال، ممّا لا يتّصل بشكٍّ حول انخراط اللبنانيّين في مسرح الأذى، مداورةً، وعلى التوالي، بنسبةٍ أو بأخرى، وعدم تملّصهم منه.
في خضمّ المأساة الأخيرة في فلسطين ولبنان، وتداعياتها المستمرّة منذ عامٍ وأشهر، والتي قد لا تتوقّف عند حدّ، بل هي منذرةٌ، موضوعيًّا، باستئناف “لعنتها” إلى أجلٍ غير معلومٍ، بأثرٍ من تعقيدات الداخل اللبنانيّ، ومعطيات الجغرافيا الإقليميّة، جنوبًا وشرقًا وشمالًا، من حقّ المرء أنْ يسأل، وخصوصًا الآن: أليس لمسرح الأذى اللبنانيّ من فصلٍ أخير، تُسدَل بعده ستارة الألم إلى غير رجوع، ويكون المسرح وقفًا لدولة الحقّ والقانون و… الأمان؟!
إنّي أصف وأسأل فحسب، متفاديًا أنْ أستخلص أحكام قيمةٍ مبرمةً، لئلّا يؤخذ الكلام إلى استدلالٍ تيئيسيٍّ لا أريده، بل أناهضه، وبقوّة.
إنّما في الوصف والسؤال هذين، ما يحمل المرء على الإحساس بضآلة القدرة على الخروج من هذه الدوّامة الرهيبة، التي تتوالد بأشكالٍ مختلفة، وتتناسل، حتّى لكأنّها في “جينات” المكوّنات اللبنانيّة، طوائفَ ومذاهبَ وعصبيّاتٍ وقبائلَ وعائلاتٍ وأعراقًا وثقافاتٍ ومناطقَ. مضافةً إليها “لعنة” الجغرافيا من كلّ حدبٍ وصوب.
أكثر ما يضني العقلَ في هذه المسألة، أنّه كلّما تضافرت عواملُ وظروفٌ خارجيّةٌ، إقليميّةٌ ودوليّةٌ (من مثل الحرب الهمجيّة الإسرائيليّة على فلسطين ولبنان وسقوط نظام الأسد الرهيب) تمثّل فرصةً موضوعيّةً سانحةً للتحرّر من الأذى، ومن مسرحه، تصرّف اللبنانيّون، كلّهم أو كثيرهم أو بعضهم، بما يعاكس الإفادة الموضوعيّة من هذه العوامل والظروف، مستسلمين لصغائرهم وحساباتهم وتناقضاتهم.
لا يستساغ البتّة ما جرى في الأسبوع الفائت (وما قبله)، على مستوى ممارسة شؤون الدولة والحكم، وإدارتها، وتعييناتها. بل يُعتبر ما جرى، نقضًا لمنطق “الإصلاح” واستمرارًا للتحاصص (والفساد) وطعنةً نجلاء للأمل بالخلاص.
فهذا إنْ دلّ على شيءٍ، فعلى قصورٍ بنيويٍّ في الاجتراح الوطنيّ والسياسيّ والسلطويّ (والأخلاقيّ)، يتحمّل مسؤوليّته أطراف السلطة جميعًا، كلٌّ بحسب موقعه ودوره. ولا أستثني جهةً أو أحدًا.
لكأنّنا يستحيل علينا أنْ نحظى بـ”مجترحين”.
ولكأنّ ما “وُعِدنا” به بعد الإفراج عن الرئاسة المأسورة وتأليف الحكومة (ممّا شُبِّه لنا بأنّها شهبٌ بارقةٌ من خارج “المنظومة”)، كان محض سرابٍ، وليس في ذلك “الوعد” ما تتّصل نتائجه بالواقع من قريبٍ وبعيد!
فسرعان ما يُسمَع المرء مؤنّبًا: قبّحكم الله!
على الرغم من ذلك، لا يزال المرء يقارع فكرة الاستسلام لـ”اللعنة”، رافضًا إعلان يأسه، داعيًا إلى ختم مسرح الأذى اللبنانيّ بالشمع الأحمر، بأيٍّ من السبل والمخارج والحلول المتاحة (وإنْ دوليّةً وأمميّةً وبغيضة).