ما بين العقد والإصلاح : هل نضيّع الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان ؟

بقلم كوثر شيا

في هذه اللحظة المصيرية، لبنان لا يملك رفاهية الانشغال بالقشور بينما تنهار أركانه الأساسية. زيارة مورغان أورتاغوس، المستشارة السابقة للسياسة العامة في وزارة الخارجية الأمريكية، لم تأتِ للحديث عن مجوهراتها، ولا لتثير الجدل حول عقدها الذي ارتدته وضم نجمة داوود، بل حملت معها أجندة واضحة وصريحة: إعادة لبنان إلى الدولة، إلى السيادة، إلى الحكم الرشيد، وإلى القدرة على استعادة موقعه بين الأمم.

أورتاغوس، التي تتمتع بسمعة دولية قوية في مجال السياسة الخارجية، جاءت إلى لبنان بصفتها ممثلة للولايات المتحدة الأمريكية، وكانت مهمتها الرئيسية حث الحكومة اللبنانية على اتخاذ خطوات حاسمة في الإصلاحات السياسية والاقتصادية. وقد ناقشت خلال زيارتها مع المسؤولين اللبنانيين سبل تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، مع التأكيد على ضرورة أن يكون الجيش اللبناني هو القوة الوحيدة المسؤولة عن الأمن في البلاد. كانت زيارتها بمثابة دعوة لضغط المجتمع الدولي على لبنان لإجراء إصلاحات جذرية، وهي رسالة واضحة للبنان: إما أن تنهضوا بمسؤولياتكم أو ستواجهون العزلة.

الزيارة لم تكن عن عقد في الرقبة، بل عن مصير لبنان

لنضع الأمور في نصابها. المجتمع الدولي يوجه رسالة واضحة إلى لبنان، لكنه بدلًا من أن يكون محور النقاش، وجدنا أنفسنا عالقين في جدل عقيم حول عقد ارتدته أورتاغوس يحمل نجمة داوود.

بغض النظر عن النوايا، ما حدث في الإعلام ومواقع التواصل كان انحرافًا خطيرًا عن الهدف الأساسي للزيارة. بينما العالم يتحدث عن أمن لبنان، عن الإصلاحات، عن مستقبل البلاد، وجدنا البعض ينشغل بمسألة شكلية. هل هذا هو مستوى النقاش الذي يستحقه لبنان في هذه المرحلة المصيرية؟

الحقيقة أن التحديات التي تواجهها الحكومة اللبنانية أكبر بكثير من الرموز الشخصية، فالتاريخ لن يسجل عقدًا في رقبة مبعوثة أميركية، بل سيسجل إن كانت الدولة اللبنانية قد قامت بمسؤولياتها أم لا.

الزيارة لم تكن استعراضًا، بل إنذارًا للبنان

بغض النظر عن الجدل الإعلامي، فإن جوهر زيارة أورتاغوس كان واضحًا وصريحًا:
• الإصلاحات الحكومية لم تعد خيارًا، بل شرطًا للبقاء: المجتمع الدولي يطالب لبنان بخطوات فعلية لإنقاذ مؤسساته من الانهيار التام.
• الجيش اللبناني يجب أن يكون القوة الوحيدة المسؤولة عن الأمن، وخاصة في الجنوب: هذا شرط أساسي لاستقرار البلاد، ومن دون ذلك ستظل الدولة رهينة للفوضى.
• حكومة قوية بلا نفوذ خارجي: الضغط يتزايد لاستبعاد الجهات التي تستغل السلطة لمصالحها الخاصة، والتوجه نحو تشكيل حكومة كفوءة قادرة على مواجهة التحديات الحقيقية.

هذه ليست وعودًا أو مطالب جديدة، بل هي خطوط حمراء يفرضها الواقع السياسي والاقتصادي على لبنان. تجاهلها لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة الدولية والانهيار الداخلي.

الحكومة اللبنانية أمام اختبار تاريخي

المسؤولية اليوم ليست على أورتاغوس، بل على من هم في مواقع القرار داخل لبنان. يجب على الحكومة أن تتحرك في الاتجاه الصحيح، وتثبت أنها قادرة على:
• فرض سيادة الدولة دون تردد.
• ضبط الأمن بما يخدم مصلحة لبنان وحده.
• البدء بإصلاحات اقتصادية وإدارية جذرية تعيد الثقة الدولية بالبلاد.

أما الانشغال بالرموز والعلامات الشخصية، فذلك ليس سوى وسيلة للهروب من مواجهة الحقيقة. الحكومة أمام اختبار حقيقي: إما أن تنهض بمسؤولياتها، أو يبقى لبنان في دائرة الضياع.

رسالة إلى اللبنانيين: لا تسمحوا للضوضاء أن تسرق معركتكم الأساسية

لبنان يحتاج إلى عمل، إلى حكومة قوية تتحمل مسؤولياتها، إلى ثورة في الإدارة، إلى قرارات شجاعة تعيد للدولة دورها الحقيقي.

إذا أضعنا هذه الفرصة، فلن يرحمنا التاريخ. إما أن نطبق ما يريده المجتمع الدولي ونثبت أننا قادرون على الإصلاح، أو سنعود إلى الحرب، إلى المربع رقم الاول، ونضيع كل الفرص المتاحة أمامنا لاستعادة بلدنا من بعد كل الفوضى التي شهدناها.

فهل ستقوم الدولة بواجبها أم سنستمر في دوامة التيه؟!

اخترنا لك