بينما ينشغل العالم بتطورات المفاوضات بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني، تتكشّف معالم مأزق استراتيجي عميق يعيشه المرشد علي خامنئي. فرغم التصريحات المتضاربة حول طبيعة هذه المفاوضات، مباشرِة كانت أم غير مباشرة، إلا أن الحقيقة الواضحة هي أن النظام الإيراني يجد نفسه مضطرًا للجلوس إلى طاولة تفاوضٍ طالما اعتبرها “غير عقلانية وغير شريفة”، مما يعكس تحوّلًا جذريًا في موقفه، مدفوعًا بضغط داخلي لا يقل خطورة عن التهديدات الخارجية.
السياق العام، المفاوضات تأتي في لحظة حرجة. التصعيد الأمريكي واضح، وتلميحات الرئيس السابق دونالد ترامب في 7 نيسان 2025 بأن فشل المفاوضات سيجعل ذلك “يومًا سيئًا جدًا لإيران” لم تكن مجرد تهديد عابر. فسياسة “نزع الأذرع” الإيرانية باتت هدفًا أمريكيًا معلنًا، سواء في لبنان أو العراق أو اليمن، والملف النووي أصبح سيفًا مسلطًا فوق رأس النظام.
استراتيجية النظام، أسس لا تقبل التنازل
1. التمسك بالبرنامج النووي كصمّام بقاء.
2. تصدير التطرف كسياسة رسمية ودستورية.
3. شراء الوقت عبر التفاوض المراوغ.
4. التمسك بأي وسيلة تُطيل عمر النظام.
5. رفض مبدأ المفاوضات الرابحة للطرفين.
6. قمع الداخل بوصفه خط الدفاع الأخير.
هذه الثوابت تجعل من أي مفاوضات فعلًا تكتيكيًا لا يحمل نية الوصول إلى حل دائم.
النتائج المحتملة بين كسب الوقت وخسارة الهيبة الهدف الأساسي من المفاوضات في نظر خامنئي ليس الوصول إلى اتفاق، بل شراء مزيد من الوقت في ظل اشتداد الخناق. لكن على عكس الجولات السابقة، فإن أدوات المناورة تراجعت، والخصوم لم يعودوا مخدوعين. والأسوأ، أن مجرد الدخول في مفاوضات بات يُنظر إليه كعلامة ضعف لا خيار.
وإذا قَبِل النظام يومًا ما بالشروط الأمريكية، فهذا لن يكون إلا تحت وطأة تهديد وجودي، وليس بدافع الاقتناع أو تغيير الاتجاه. وحتى ذلك الحين، تبقى المناورة هي العنوان، والالتفاف هو الأسلوب.
بالخلاصة، مهما كانت مآلات هذه الجولة من المفاوضات، فإنها تكشف هشاشة غير مسبوقة في بنية “ولاية الفقيه”. فخامنئي الذي بنى شرعيته على “عدم الرضوخ”، يجد نفسه مرغمًا على التفاوض تحت ضغط داخلي غاضب وخارجي لا يرحم. هذا الضعف لا يعبّر فقط عن مأزق سياسي، بل عن بداية انهيار سردية القوة التي طالما تشدّق بها النظام.
المعادلة تغيّرت، فما عادت أمريكا وحدها من يضع الشروط، بل المجتمع الإيراني أيضًا، الذي يقترب يومًا بعد يوم من نقطة الانفجار.