حسن التأليف في لوحات المشهد الأليف لدى ليلى داغر

بقلم عقل العويط

العالم الفنّيّ الذي تؤلّفه الرسّامة ليلى داغر ( غاليري آرت أون 56 الجميزة )، لا يدّعي التنظير ولا التفلسف، ولا تأجيج اللوحة بالمفاهيم، ولا تحشيد السطح التشكيليّ بمكوّنات الحداثة أو ما بعد الحداثة، وسواها من المقولات الثقافيّة والنقديّة. إنّه عالم أليفٌ ومألوف وعلى مرمى العين، لكنّه في الآن نفسه لا يتنازل بسهولة عن نقاط قوّته ولا يسلّم مفاتيحه إلّا لمَن يلمّ بأسراره. ليلى داغر هي واحدة من هؤلاء العارفين الملمّين.

صحيحٌ أنّها “تلميذة” وفيّةٌ للأساتذة رسّامي المشهد الطبيعيّ ولوحة الطبيعة الصامتة، إلّا أنّها تشقّ دربها لتكون “صاحبة طريقة”. وأنا أعني ذلك.

جلّ ما تفعله ليلى داغر في هذا الباب، أنّها ترسم، وتؤلّف ما ترسمه، وأنّها تحسن تأليفه، فتنطلق من حيث هي، من حيث تقيم، وتعيش، وترى، وتشمّ، وتتنفّس، وتتذوّق، وتتلمّس، وتحسّ، وتنفعل، وتتفاعل، آخذةً على عاتقها رعاية هذا “العالم” البسيط والأليف، واحتضانه، وإعادة تقديمه على طريقتها، وفق إيقاعاتٍ متناغمة، مضبوطة، ومترتّبة ترتيبًا بصريًّا ذا بعدٍ هندسيّ معماريّ متناسق، وتكويناتٍ لونيّةٍ إنْ دلّت على شيء فعلى “العقلنة الغنائيّة” التي تحتكم إليها في بناء السطح وتوزيعاته وفضاءاته وتأويلاته.

ترسم ليلى داغر المشهد الطبيعيّ متجنّبةً الوقوع في الغواية، أو في الاستعراض، أو في الزخرفة. بناء اللوحة هو شغلها الشاغل، وتوزيعاتها اللونيّة تعكس مقدرتها على ولوج روح هذا المشهد الذي ترسمه، وعلى الامتزاج بحركاته وإيقاعاته ونبضاته، أكان مشهدًا داخليًّا منزليًّا، أم كان مشهدًا خارجيًّا يتّصل بالطبيعة ( الخلاء والأشجار والسهول والحدائق ) أو بالمكان الجغرافيّ ( بيروت مثلًا وعماراتها وأفقها المفتوح ).

تلفت في لوحة ليلى داغر “أنغامٌ” من الشاعريّة الحميمة، لونيّة وهندسيّة، من شأنها أنْ تدفع بقارئ اللوحة إلى “تحريض” الرسّامة على بلورة اختباراتها في هذا المجال، للخروج إلى ما قد ينطوي عليه من احتمالاتٍ وآفاق، ستفيدها – ولا بدّ – في “تحرير” السطح من بصمات أساتذة المشهد المحليّين والفرنسيّين والعالميين.

ليلى داغر الممسكة بقواعد حسن التأليف في لوحات المشهد الأليف، قادرة على القيام بذلك.

اخترنا لك