بقلم مروان الأمين
بعد الحرب الأخيرة التي شكّلت زلزالاً عنيفاً أصاب “حزب الله” وتسببت في دمار غير مسبوق، خصوصاً في الجنوب اللبناني، والتي كشفت عن تفوّق عسكري وتكنولوجي واضح لصالح إسرائيل، وأعقبتها تطورات إقليمية كبرى، أبرزها انهيار نظام الأسد، ما أدى إلى قطع شريان الدعم البري الأساسي لـ “حزب الله”، برزت مؤشرات على تحوّل في الخطاب السياسي والإعلامي بشأن أفق الصراع المفتوح مع إسرائيل.
في ظل هذه المستجدات، بدأ الحديث عن خيار السلام يُطرح علناً في الإعلام، ويُناقش بجديّة أكبر خلف الأبواب المغلقة، لا سيّما أن عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، سوف تضع مشروع السلام العربي – الاسرائيلي، وخاصة مع المملكة العربية السعودية، على نارٍ حامية.
بعض الأوساط السياسية اللبنانية يلامس هذا الطرح بحذر، من خلال الدعوة إلى حصر السلاح بيد الدولة والعودة إلى اتفاق الهدنة الموقّع بين لبنان وإسرائيل عام 1949. هذه المواربة في المقاربة تذكّر بالموقف الذي اعتمده البعض سابقاً حيال الوجود السوري في لبنان، حين طالبوا بإعادة تموضع الجيش السوري في البقاع بدلاً من الانسحاب الكامل. إنها أساليب مختلفة لهدف واحد هو إنهاء الصراع اللبناني – الإسرائيلي وإقفال ساحة الجنوب.
رغم الحذر الذي يبديه بعض الأطراف المسيحية في التعبير العلني عن تأييدها لمسار السلام، إلا أن الواضح أن هناك قناعة متزايدة لديها بأن سلوك مسار هذا الخيار قد دقّت ساعته. البعض يفضل الصمت خشية الانجرار إلى ساحة الاتهامات والتخوين، والبعض الآخر يعبّر صراحة عن دعمه، مع وعي بأن تصدّرهم المشهد قد يُفسّر على نحو خاطئ، ويُستغل من قبل من يريد أن يصطاد في الماء العكر، على أنه سعي منهم لإحياء تحالف الأقليات في المنطقة.
لكن وعلى أهمية موقف القوى المسيحية، فإن الرافعة الحقيقية لمسار السلام تكمن في الموقف الإسلامي، وتحديداً في تأييد القوى السنية والشيعية على حد سواء. فالسُنّة في لبنان يتأثرون بشكل مباشر بتطور مسار السلام بين الدول العربية وإسرائيل، لا سيما إذا ما انضمت المملكة العربية السعودية إلى الاتفاقات الإبراهيمية، وهو ما من شأنه أن يعزّز القبول السني لخيار السلام على المستوى المحلي.
أما الشيعة، فهم أكثر من دفع أثماناً باهظة نتيجة الصراع مع إسرائيل، خصوصاً في جنوب لبنان. من هنا، فإن موقفهم من السلام يحمل وزناً أكبر وتأثيراً أعمق، ويُعدّ مفتاحاً حقيقياً لتحقيق أي اختراق في هذا الملف.
وفي هذا السياق، تبرز شخصية الرئيس نبيه بري، بوصفه القادر على قيادة الطائفة الشيعية، بل ولبنان، نحو خيار السلام. فقد راكم بري عبر عقود رصيداً إنمائياً كبيراً في الجنوب، إلا أن الحرب الأخيرة دمّرت معظم هذا الإرث، وحوّلت الكثير من قرى الجنوب إلى كومة ردم.
إن قيادة الرئيس بري لمشروع السلام سوف يحمل للشيعة إنجازين استثنائيّين سيسجلهما التاريخ:
أولهما، سيقود الرئيس بري مشروع إعادة الإعمار وعودة الجنوبيين إلى مدنهم وقراهم. مشروع سيكون الأكبر في تاريخ لبنان، بعد حرب كانت الأكثر دماراً في تاريخ الحروب اللبنانية – الإسرائيلية.
ثانيهما والأهم، سيُنهي بري معاناة طويلة عاشها الجنوبيون منذ اتفاق القاهرة، وسيطوي صفحة تحوّل خلالها الجنوب إلى ساحة مفتوحة لصراعات الآخرين فوق آلام وعذابات أهله، وسيستودعهم بعد عمرٍ طويلٍ في مرحلة سلام وأمان دائم، لا تتهدّدهم مغامرات ومصالح تتخطى حدود المصلحة الوطنية ومصلحة الشيعة والجنوبيين.
دولة الرئيس، التاريخ والجنوبيون ينظرون إليك، والشيعة يستحقون العيش بسلام.