المفكرة القانونية
أصدرت محكمة الاستئناف في باريس في 11 أيلول 2024 قرارًا بقبول الاستئناف المقدّم من مجموعة “لوموند” في حكم قضائيّ سابق في دعوى “التشهير العلني” التي كان أقامها أنطون الصحناوي رئيس مجلس إدارة مجموعة بنك “سوسيته جنرال” في لبنان. وعليه، فسخت المحكمة القرار الذي صدر في 5 نيسان 2023 بإدانة الصحيفة. ويشار إلى أن هذه الدعوى اتصلت بالمقال الذي نشرته الصحيفة في 22 تشرين الثاني 2019 بعنوان Liban: dans les rouages de l’économie de l’ombre أي “لبنان: في العناصر المكوّنة لاقتصاد الظلّ”.
وإذ تناول المقال الأزمة الماليّة المصرفيّة واحتمال تصدّي القضاء للفساد الذي قد يكون تسبّب بها، فإنّه نقل عن المدير التنفيذي للمفكرة القانونية نزار صاغيّة تصريحًا بشأن قضية “ميزون بلانش” Maison Blanche (نسبةً إلى الملهى الليليّ الذي أطلق فيه مرافقو الصحناوي النار على شخص يدعى مازن الزّين في 26 شباط 2010 وأصابُوه بجروح بالغة) مفاده أنّ القاضي غسان عويدات الذي كان قاضي التحقيق في هذه القضية (وأصبح النائب العام التمييزي في 2019) قد صرف النظر عن مُلاحقة الصحناوي بحجّة أنّ شهادات الحاضرين في الملهى لا يؤخذ بها بالنظر إلى الغاية من السّهر (بما يؤشر إلى كونهم سكارى).
وكانت المحكمة الابتدائية (الغرفة السابعة عشرة من المحكمة القضائيّة في باريس) قد قبلت دعوى الصحناوي في 5 نيسان 2023. ومن أهمّ الأسباب التي استندت إليها المحكمة لنفي حسن نية الصحيفة، أنها عرّفت عن نزار صاغية على أنه مراقب موضوعي فيما أنه في الحقيقة محامي ضحية إطلاق الرصاص في القضية، مازن الزين.
بعد أيام من صدور الحكم الابتدائي، تمّ نشره على موقع “هنا بيروت” العائد للصحناوي في 10 نيسان، مع التركيز على الآتي: “كما أشار الحكم عن حقّ، إلى عبارات الذم التي استمدها كاتب المقال المشكو منه من المحامي نزار صاغية، وهو محامي مازن الزين (الضحية) …. إلّا أنّ كاتب المقال اختار أن يقدّم صاغية للقرّاء على أنّه ‘المدير التنفيذي للمنظمة غير الحكومية المفكرة القانونية والعليم بالعالم القضائي اللبناني” من دون أن يشير إلى أنّه كان بالحقيقة طرفًا معنيًا في هذه القضية طالما أنه كان محامي المدعي فيها، الأمر الذي كان سمح للقارئ أن يتنبه إلى احتمال إسناد تحليله إلى اعتبارات شخصية’”.
ومن المهمّ بمكان الإشارة هنا إلى أنّ مجلس نقابة المحامين كان اتّخذ في 3 آذار 2023 قرارًا بتعديل آداب مهنة المحاماة يمنع المحامين من الحديث إلى الإعلام من دون إذن مسبق من نقيب المحامين وأن هذا الحكم استخدم للدلالة على سوء استخدام حرية التعبير من قبل المحامين ومنهم صاغيّة، وذلك في خضمّ الحراك احتجاجًا على تعديل آداب المحامين. وليس أدلّ على ذلك من أن النقابة أبلغت المحامي نزار صاغية في 11 نيسان 2023 وجوب المثول أمام مجلس النقابة، وهي إجراءات تعتمد عموما للاستماع إلى المحامي على نحو قد يمهد لشطبه من المهنة.
في المرحلة الاستئنافية، أدلت صحيفة لوموند بحجج عدّة، أبرزها أنّ الحكم الابتدائيّ إنّما انبنى على خطأ من شأنه أن يؤدّي إلى فسخه. هذا الخطأ تمثّل في اعتبار صاغية محاميا للزين مما يفقده صفة المراقب الموضوعيّ، فيما أنّ صاغية بالحقيقة كما جاء في الحكم الاستئنافي لم يكن يوما محاميا للزين.
فضلًا عن ذلك، تمّ استدعاء صاغيّة كشاهد أمام المحكمة بناء على طلب لوموند، حيث أدلى بشهادته لجهة أهميّة قضية ميزون بلانش ودلالاتها وأهمية إثارتها في هذا الظرف بالذات كما تحدث عن تخصّص المفكرة في متابعة الشؤون القضائية والأهم أنه لم يكن يوما محاميا للزين. وهذا ما تثبّتت منه محكمة استئناف باريس.
وإذ ذكّرت المحكمة بأنّ “شرط التناسب يفرض تحديد ما إذا كان المنشور موضوع النزاع، في ضوء الظروف الخاصّة بالقضية، يتجاوز الحدود المسموح بها لحرية التعبير”، أكّدت أنّه “لم يتمّ تجاوز الحدود المسموح بها لحرية التعبير، وأنّ فرض عقوبة جنائية أو إدانة مدنية سيكون غير متناسب بشكل واضح”.
في المقابل، لم يكشف حتى الآن كيف أسندت المحكمة الابتدائية في باريس حكمها على معلومة لم يثرها أي من الأطراف في الدعوى، لإن سارع موقع “هنا بيروت” إلى تبنّيها.
وعليه، وإذ أرجأت المفكرة القانونية نشر هذا الحكم الهامّ لاتصاله بعملها وبمديرها التنفيذي بسبب ظروف الحرب، فإننا ننشره اليوم من أجل إعلام الرأي العام بمستجدّات هذه القضيّة، بعدما كان اطلع على الحكم الابتدائي فيها من دون نشر حكمها الاستئنافي.
وكانت “المفكرة القانونية” أفردت صفحات لمناقشة مسار قضية “ميزون بلانش” والثغرات القضائية التي شابتها والضغوط السياسية التي مورست فيها.