بقلم د. أحمد ياسين
في الأيام الأخيرة، أظهرت تصريحات مورغان أورتاغوس، نائبة الممثل الخاص الأمريكيل لشؤون الشرق الأوسط، تحولاً حاسماً في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه النظام الإيراني ودوره في زعزعة استقرار المنطقة، بما في ذلك اليمن.
في حوارها مع قناة “العربية”، أكدت أورتاغوس أن الولايات المتحدة لن تقع في “فخ المفاوضات غير المباشرة لبايدن”، معلنةً التخلي عن النهج الطويل الأمد وغير المثمر الذي شهدناه في الفترات السابقة. هذا الموقف لا ينبئ فقط بنهاية سياسة المهادنة مع النظام الإيراني، بل يمهد الطريق لضغوط قد تؤدي إلى إضعاف وانهيار نظام ولاية الفقيه.
تغيير النهج الأمريكي: نهاية المهادنة والتركيز على العمل الفوري
شددت أورتاغوس على ضرورة إجراء مفاوضات “فورية ومركزة”، مما يظهر بوضوح أن الولايات المتحدة لم تعد مستعدة لاستنزاف وقتها ومواردها في حوارات لا نهائية مع النظام الإيراني. يعكس هذا التحول انتقالاً من سياسة الصبر والتفاعل التدريجي في عهد إدارة بايدن إلى استراتيجية أكثر هجومية، تستند إلى فهم أعمق للدور التخريبي الذي يلعبه النظام الإيراني في المنطقة. واتهمت أورتاغوس النظام الإيراني بجر الشرق الأوسط إلى “مرحلة خطيرة وغير مستقرة” من خلال دعمه لجماعات مثل حزب الله والحوثيين في اليمن، وهو اتهام يعكس عزم أمريكا على مواجهة نفوذ النظام الإيراني في هذا البلد الغارق في الأزمات.
اليمن، الذي يعاني من حرب أهلية منذ عام 2014 بتدخلات خارجية واسعة، أصبح أحد النقاط المحورية في السياسة الخارجية للنظام الإيراني. دعم النظام الإيراني للحوثيين، من توفير الأسلحة إلى التدريب العسكري، لم يحول هذه الجماعة إلى تهديد لاستقرار المنطقة فحسب، بل عرض أمن الممرات التجارية الدولية في البحرر الأحمر للخطر. وأشارت أورتاغوس إلى هذا الواقع، مؤكدةً على ضرورة قطع جذور هذا الاضطراب، وقالت إن جماعات مثل حزب الله يجب أن “تُستأصل كالسرطان” من جسم المنطقة. هذا الموقف يتحدى بشكل غير مباشر سياسة المهادنة السابقة التي سمحت للنظام الإيراني بالعمل عبر وكلائه مع التنصل من المسؤولية.
اليمن وإضعاف أسس ولاية الفقيه
يُعد اليمن أحد العمق الاستراتيجي للنظام الإيراني، ويلعب دوراً رئيسياً في الحفاظ على نفوذه الإقليمي تحت نظام ولاية الفقيه. دعم الحوثيين جزء من عقيدة “محور المقاومة” التي يروج لها علي خامنئي، قائد النظام الإيراني، كأداة لنشر الأيديولوجية الثورية ومواجهة الغرب وحلفائه. لكن تصريحات أورتاغوس تُظهر أن أمريكا لم تعد مستعدة لتحمل هذه اللعبة. التركيز على “القضاء” على وكلاء النظام الإيراني، بما في ذلك الحوثيون، يعني قطع أحد أهم أذرع قوة خامنئي الإقليمية.
إذا نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في تقييد نفوذ النظام الإيراني في اليمن بفعالية، فسيكون ذلك ضربة قوية لمصداقية وقدرة نظام ولاية الفقيه. تقليص النفوذ في اليمن لن يضغط فقط على الموارد المالية والعسكرية الإيرانية، بل سيُضعف رواية “المقاومة” التي تُشكل أساس شرعية خامنئي الداخلية. داخل إيران، حيث يتزايد السخط الشعبي على الأوضاع الاقتصادية والسياسية يوماً بعد يوم، قد يصبح الفشل في الجبهات الخارجية عاملاً لتسريع انهيار النظام.
نهاية حكم خامنئي: تداعيات الضغوط الإقليمية والداخلية
السياسة الأمريكية الجديدة، التي عبّرت عنها أورتاغوس، لا تقتصر على اليمن. فمع إشارتها إلى ضرورة نزع سلاح حزب الله في لبنان، أوضحت أن الولايات المتحدة تعتزم استهداف شبكة وكلاء النظام الإيراني في المنطقة بأكملها. هذا النهج، إلى جانب الضغوط الاقتصادية الناتجة عن العقوبات والعزلة الدبلوماسية، قد يضع النظام الإيراني في وضع أكثر هشاشة من أي وقت مضى. نظام ولاية الفقيه، القائم على الأيديولوجية الثورية والسيطرة المطلقة على السلطة، يبدو عرضة للانهيار تحت هذه الضغوط.
في الداخل الإيراني، حيث أظهرت الاحتجاجات الواسعة مثل حراك 2022 (1401) السخط الشعبي، ستتفاقم الأزمات مع تراجع مكانة النظام الإقليمية. نهاية سياسة المهادنة الأمريكية والتركيز على قطع شرايين النظام الإيراني الحيوية في اليمن وغيرها قد تكون نقطة تحول في أفول حكم خامنئي. بدون أدوات النفوذ الإقليمي ومع تصاعد الضغوط الداخلية، قد لا يتمكن النظام القائم على ولاية الفقيه من الصمود.
في الخلاصة، تصريحات مورغان أورتاغوس لا تعلن فقط نهاية سياسة المهادنة مع النظام الإيراني، بل ترسل رسالة واضحة إلى نظام ولاية الفقيه: لقد انتهى زمن اللعب بالوكلاء وزعزعة استقرار المنطقة. اليمن، كأحد ساحات هذا الصراع الرئيسية، قد يكون المسرح الذي تهتز فيه أركان قوة خامنئي. مع قطع الدعم عن الحوثيين وإضعاف نفوذ النظام الإيراني في الشرق الأوسط، تمهد الولايات المتحدة الطريق لانهيار تدريجي لنظام استمر لعقود بالاعتماد على الأيديولوجية والقمع. نهاية هذا المسار قد تكون نهاية ولاية الفقيه وبداية فصل جديد لإيران والمنطقة.