تشريع القنب في لبنان : بين العدالة البيئية والصحية والتنمية المستدامة

دعوة لتشريع عادل ومنصف يضع مصلحة الوطن والمزارع فوق الاحتكار

بقلم كوثر شيا

في خطوة لافتة، أعلن وزير الزراعة اللبناني يوم أمس عن تشكيل هيئة ناظمة جديدة لدراسة تنظيم وتشريع زراعة القنب. هذه الخطوة تأتي في ظل جدل واسع حول القانون الحالي رقم 178/2020، والذي يُتّهم بترسيخ الاحتكار وتهميش المزارعين والمجتمع المدني.

وفي ظل هذا الواقع، برزت مبادرة الخبيرة كوثر شيا التي قدّمت مشروع قانون معدل يهدف إلى تنظيم القنب الطبي وفتح زراعة القنب الصناعي (الهامب) للجميع.

هذا المقال يُقدّم قراءة علمية، تاريخية، واقتصادية، صحية وبيئية شاملة حول الموضوع، ويُشكّل دعوة صريحة لإعادة النظر بالتشريع المعتمد.

أولاً: أهمية التمييز بين نوعي القنب
قبل الدخول في السياسات والقوانين، يجب توضيح الفارق الجوهري بين نوعي القنب:
العامل القنب الصناعي (Hemp) القنب الهندي الطبي (Cannabis)
نسبة THC أقل من 0.3% (غير مخدر) 5%-30% (تأثير نفسي)
الاستخدام صناعي، بيئي، غذائي طبي فقط
التنظيم المطلوب زراعة حرة بدون ترخيص ترخيص صارم تحت رقابة طبية

ثانياً: استخدامات القنب الصناعي – ثروة متجددة في خدمة الدولة
القنب الصناعي لا يُستخدم كمخدر، لكنه يُعتبر من أكثر المحاصيل فائدة على الإطلاق.
استخداماته تدخل في عشرات القطاعات:
● النسيج والأقمشة: أقوى من القطن ويستهلك مياه أقل.

● الورق: يحمي الغابات.

● البناء: يدخل في خلطات الطوب والدهان، ويعزل الحرارة والرطوبة.

● البلاستيك الحيوي: بديل للبلاستيك النفطي.

● الوقود الحيوي: من بذوره تُستخرج زيوت قابلة للحرق.

● الأغذية: بذوره غنية بالبروتين والأوميغا 3.

● مستحضرات التجميل: مضاد أكسدة طبيعي.

● الطباق القشّية: لا تزال تُستخدم في القرى اللبنانية منذ مئات السنين.

ثالثاً: القنب في العمارة التراثية والبيئة
في القرى اللبنانية والعربية، استُخدم القنب كمادة عزل طبيعية في بيوت اللبن، وكان يُضاف إلى الطين والقش لصناعة جدران مقاومة للحرارة صيفاً، والبرد شتاءً.
حتى اليوم، كثير من هذه البيوت لا تزال قائمة، ما يُظهر استدامة هذه المادة وفعاليتها البيئية.

رابعاً: استخدامات القنب الطبي – علاج يحفّز قوى الشفاء الذاتية
القنب الطبي (الكانابيس) أثبت فعاليته في الطب الحديث في مجالات عديدة:
● تسكين آلام السرطان.

● علاج التصلب اللويحي.

● تحسين حالات الاكتئاب والقلق الشديد.

● علاج اضطرابات النوم.

● السيطرة على الصرع.

كيف يعمل القنب داخل الجسم؟
الجسم يحتوي على مستقبلات طبيعية تُعرف بـ CBD1 وCBD2، وهي تنشّط الجهاز العصبي والمناعي:
● CBD1: يتحكم بالمزاج والألم والتركيز والنوم.

● CBD2: يُقوّي المناعة، يواجه الالتهابات، ويقتل الخلايا الدخيلة.

يُحفّز القنب هذه المستقبلات، ما يجعل الجسم يدافع عن نفسه ويستعيد توازنه الطبيعي. هذا ليس علاجاً مباشراً فقط، بل تقوية للجيش الداخلي للجسم.

خامساً: لبنان… أرض القنب وخبراته
لبنان ليس غريباً عن زراعة القنب:
● سهل البقاع هو موطن زراعته منذ مئات السنين.

● التربة والمناخ مثاليان.

● الخبرات الزراعية متوفرة.

● الأرض مهملة اقتصادياً ويمكن للقنب أن يعيد إحياءها.

حتى أن أول سيارة لفورد عام 1941 صُنعت من ألياف القنب، وتحركت بوقود مشتق منه، كما استخدمه الفراعنة لتحنيط الملوك بأقمشة لا تزال محفوظة حتى اليوم.

سادساً: مخاطر القانون الحالي ودور الهيئة الناظمة
القانون رقم 178/2020 يُكرّس الاحتكار عبر الشروط الصعبة التي تمنع صغار المزارعين من الدخول إلى القطاع.
وقد جاء إعلان وزير الزراعة الأخير بتشكيل هيئة ناظمة كخطوة واعدة، لكن لا قيمة لها إن لم تتوفّر فيها الشروط التالية:
الشروط المطلوبة للهيئة الناظمة:
1. الاستقلال التام عن القوى السياسية والاقتصادية.

2. تمويلها من الدولة لا من التراخيص لتفادي تضارب المصالح.

3. إعطاء الأولوية للمزارعين القدامى.

4. مراقبة الجودة والشفافية بالتوزيع.

5. إصدار تقارير علنية دورية.

الوزارات المعنية:
● الزراعة: تنظيم الزراعة وتوزيع البذور.

● الاقتصاد: دعم الصناعات وتشجيع التصدير.

● الصحة: ضبط الاستخدام الطبي.

● البيئة: تقييم الأثر البيئي وتشجيع البدائل الطبيعية.

سابعاً: القانون المعدّل – مبادرة كوثر شيا
قامت الخبيرة اللبنانية كوثر شيا، الحاصلة على شهادة في زراعة القنب وعلاجه من جامعة لوس أنجلوس، بإعداد مشروع قانون متكامل ينص على:
● فتح زراعة الهامب للجميع بلا قيود.

● تنظيم استخدام القنب الطبي ضمن ضوابط صحية صارمة.

● منع الاحتكار الكامل.

● دعم الصناعات المحلية القائمة على القنب.

● إشراك المجتمع المدني في الرقابة.

وقد قُدّمت نسخة من هذا القانون لعدد من النواب، وهو بانتظار الطرح الرسمي في البرلمان.

ثامناً: دعوة إلى العمل
ندعو عبر هذا المقال إلى:
● مجلس النواب: طرح القانون المعدل للنقاش العام.

● وزارة الزراعة: التفريق بين القنب الصناعي والطبي بوضوح.

● وزارة الإعلام والمجتمع المدني: نشر التوعية حول فوائد القنب وأهميته الاقتصادية.

● الجامعات والباحثين: إجراء دراسات علمية ومخبرية تؤكّد فوائد هذه الزراعة.

● الهيئة الناظمة الجديدة: الالتزام بالمصلحة العامة فوق المصالح الخاصة.

في الختام، القنب ليس نبتة هامشية، بل هو ثروة وطنية متكاملة قادرة على:
● خلق فرص عمل في القرى.

● خفض التلوث.

● تقوية النظام الصحي.

● إنعاش الصناعة والتصدير.

إن تشريعه بطريقة عادلة ومسؤولة هو خطوة نحو اقتصاد أخضر، وعدالة اجتماعية، وسيادة زراعية.
فلنُعد القنب إلى الأرض… ولنعيده إلى القانون.

اخترنا لك