لم ينجح محمود قماطي، عضو المجلس السياسي في “حزب الله”، في إقناع اللبنانيين بما حمله من رسائل تهديد ووعيد رداً على مواقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون. فبدلًا من أن يرفع صوته حزمًا، خذلته الحنجرة، وخرج صراخه باهتًا، بحةً تختصر واقعًا متصدعًا أكثر من كونه تهديدًا صريحًا.
كان من الأجدى بالسيد قماطي أن يراجع أولاً وزراء حزبه، الملتزمين نظريًا بالبيان الوزاري الذي يُقرّ بمرجعية الدولة في حصر السلاح، أو أن يقرأ مجددًا نص اتفاق وقف إطلاق النار الذي شاركت قيادات من حزبه في صياغته، بدلاً من توزيع البطولات الكلامية على اللبنانيين.
ما يثير الانتباه في عودة قماطي إلى الواجهة بعد سنوات من الإقصاء والتهميش داخل حزبه، هو أنها تأتي في وقت حساس تمرّ به المنطقة، ومع تصاعد أصوات “الانفتاح” و”الحوار” من جهة، وتفاقم صراعات داخلية ضمن أروقة الحزب من جهة أخرى. فهل كان صراخ قماطي رسالة إلى الجناح الآخر داخل “حزب الله” أكثر منه موجّهًا إلى الرأي العام اللبناني؟
اللافت أن الحديث عن “السلاح” لم يعد يردع أحدًا، لا في الداخل اللبناني ولا في الخارج. فلم يعد يُستخدم لا كورقة تفاوض ولا حتى كحاجز ردع، في ظل المتغيرات الإقليمية، من اليمن إلى العراق وصولًا إلى الداخل الإيراني. أما التهويل الذي اعتمده قماطي، فصار أقرب إلى المبالغة الإنشائية، لا تعكس سوى ضياع البوصلة.
في النهاية، ليت السيد قماطي يدرك أن زمن “المراجل الكلامية” قد ولّى، وأن اللبنانيين باتوا أكثر وعيًا لمسرحيات التهديدات الفارغة، وأن الحاجة اليوم ليست لصوت مرتفع، بل لعقلانية هادئة ومسؤولة أمام واقع يتداعى من كل الجهات.