بقلم إبراهيم زيّات
–
@IbrahimAZayat
كانت الصحافيّة زينب ياسين في الـ 18 من عمرها تنهي للتوّ مرحلة التعليم الثانوي وعلى وشك بدء مرحلة الجامعة والاختصاص. وكان والدها يستعجل بدوره بلوغها مرحلة التعليم الجامعي لتكون مهندسة زراعيّة وتدير مزارع الدجاج التي تملكها العائلة وربّما تكبّر “البيزنس”. لكن كان لزينب خطط أخرى: “قلتله ‘صحافة’، وقال لي ‘لمّا يبطل عنّا رجال بيشتغلوا بناتنا بالصحافة”، تحكي زينب. وتضيف “ذهبتُ للتسجيل، وفي ذهني حلم والدي لي، ولكن أيضًا حلمي، وحينما سألتني الموظفة التي تستلم طلبات التسجيل: أيّ اختصاص؟ أجبت: ‘صحافة’”. ولن يكتشف الحاج عماد ياسين “عَمْلة” ابنته إلّا بعد شهر ونصف الشهر من بدء العام الدراسي. سيعاقبها بالصمت لـ 4 أشهر، قبل أن تنجح في مصالحته بعد تدخّل طرف ثالث.
ستمضي الأيّام وتتخرّج زينب، وتتدرّج وتبدأ مشوارها المهنيّ، وتخضع لدورات مراسلة حربيّة في تركيا، وتغطّي العدوان الإسرائيليّ على لبنان في أسابيعه الأولى مراسلةً لتلفزيون لبنان، ومن ثمّ تواكب توسّعه يومًا بيوم لصالح الشاشة عينها، وقبل أن تنتهي الحرب، ولأشهر بعدها، ستقف زينب أمام إداريّي تلفزيون لبنان، ومعهم مستشاران لوزير الإعلام، تسمع منهم، واحدًا تلو الآخر، كيف أنّ ارتداءها للحجاب، أو خيارها بأن تكون محجّبة، سيكون النهاية غير السعيدة لقصّة ظهورها على الشاشة الوطنيّة.
في 10 تشرين الأوّل 2023، أطلّت زينب للمرّة الأولى من العديسة عبر شاشة تلفزيون لبنان تقدّم عرضًا لتطوّرات التصعيد في الجنوب في يومه الثالث، ولم تكن اللحظة شخصيّة لها فقط، بل كانت محطة تاريخية في تاريخ التلفزيون الوطني بظهور مراسلة محجّبة للمرّة الأولى بعد 64 عامًا من عمر الشاشة. وفي 2 نيسان 2025، كسرت زينب الصمت عن أشهر من التمييز ومحاولات التحجيم والإقصاء واجهته داخل التلفزيون، توّجت بإغلاق أبواب وزير الإعلام الجديد بول مرقص، في وجهها، وستنشر استقالتها التي توضح فيها سببًا مباشرًا ووحيدًا للاستقالة: التمييز ضدّ المحجبات وتحديدًا منعها من الظهور مجددًا على الشاشة بسبب حجابها، وبحجّة “الأعراف”.
ظهور أوّل يليه إقصاء
الإطلالة الأولى عبر شاشة تلفزيون لبنان شهدت ترحيبًا، كما تقول زينب في شهادتها لـ “المفكّرة”، وتضيف أنّ ظهورها استمرّ شهرًا ونصف الشهر إلى أن قرّر التلفزيون سحب الفريق من الجنوب بعد الاستهداف الإسرائيلي لفريق قناة “الميادين” واستشهاد الزملاء فرح عمر وربيع معماري وحسين عقيل في تشرين الثاني 2023، بسبب غياب التأمين أو الأموال اللازمة لدفع تعويضات في حال الاستهداف. وزينب “بادرت ” لسدّ نقص فادح بعد أن اعتذر جميع المراسلين عن الذهاب إلى الجنوب للتغطية، وهي بحسب كلام من أقصوها لاحقًا: “أنقذت ماء وجه التلفزيون”. عادت زينب لعملها الذي تقوم به منذ تعاقدها مع التلفزيون عام 2021 في مديرية التواصل الإجتماعي إضافة إلى كتابة شريط الأخبار على الشاشة.
وبالتوازي طرحت زينب العديد من الأفكار خارج قسم التواصل من بينها تقديم فقرات أو برامج، إلّا أنّها كانت تواجه بالرفض ثم تفاجأ لاحقًا بتنفيذ الفكرة التي طرحتها والتعاقد مع إعلاميين من خارج التلفزيون لتقديمها، فمثلًا اقترحت عليهم تخصيص فقرة عن العدوان الإسرائيلي ضمن الفترة الصباحيّة “فقالوا لي: ‘ومن سيقدّمها’، فقلت: أنا أقدّمها، فصمتوا. بعد فترة، أرى الفقرة على الهواء وزميلة من خارج التلفزيون تقدّمها”، تروي. وتتابع : “اقترحت مثلًا إنتاج بودكاست لتلفزيون لبنان. ومجدّدًا: من سيقدّمه؟ سألوني، فأجبت: أنا أقدمه، وردّوا بـ’خير منشوف’ وبعد فترة يأتون بزميل من خارج التلفزيون ليقدم البودكاست”.
تتابع زينب أنّها قدّمت الكثير من الأفكار الأخرى، ولم تكن تحصل في كلّ مرّة على سبب واضح لرفض ظهورها. لكن المرّة الأولى التي سمعت فيها كلمة “حجابك” بشكل صريح، كانت عندما طلبت منها مديرة الأخبار والبرامج السياسية في التلفزيون دينا رمضان في أيار 2024، إعداد تقرير من دون الظهور أمام الكاميرا: “ما بتبيّني وما بتعملي ستاند آب”، قالت لها. وحين سألت زينب عن السبب أجابتها: “كرمال حجابك ما يظهر”. استنكرت زينب، لاسيّما مع التغطية المشهود لها – من مديرة الأخبار نفسها – التي قدّمتها أمام الكاميرا في الأسابيع الأولى من توّسع الحرب، وشعرت بأنّها استغلّت لسدّ فراغ التغطية في الجنوب، لكنّ ردّ رمضان عليها جاء بأنّ هذا إجراء ظرفيّ “وبينحل”.
نلمس ممّا واجهته زينب إقصاء ينطوي على تمييز ديني وجندريّ، مبني على المعتقد أو المظهر الديني، ومحصور بالنساء، وهو تمييز محظور بموجب المادة السابعة من الدستور اللبناني، التي تنصّ على المساواة بين المواطنين دون تمييز، كما يُعدّ انتهاكًا صريحًا للمادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وللمادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تضمن الحق في حرية الفكر والمعتقد، بما يشمل مظاهره الخارجية.
وأسوأ من ذلك أنّ زينب لم تُقصَ فقط، بل شعرت أنّها استُغِلّت مرحليًا عندما احتاج إليها التلفزيون، ثم أُعيدت إلى الظلّ حين زال الظرف الطارئ.
حلّ أم تكرار للاستغلال؟
بقيت زينب تعمل في كتابة شريط الأخبار والعواجل على الشاشة، وتنتظر “الحل” الذي تحدّثت عنه مديرة قسم الأخبار دينا رمضان. ومع التأجيل، واستمرار حرمانها من ترجمة أفكارها، وأمام التمييز ضدّها، تقدّمت باستقالتها في 13 أيلول 2024 إلى الوزير السابق زياد مكاري الذي كان يشغل إدارة التلفزيون، واضعة سبب الاستقالة بأنه التمييز ضدّها ورفض ظهورها بسبب حجابها. لم يقبل مكاري الاستقالة ووعدها بإيجاد صيغة لظهورها على الشاشة مجددًا، مؤكّدًا تمسّكه بها ومعتبرًا أنّ الكفاءة هي المعيار الوحيد لهذه الخطوة، بحسب ما قال لها. حصل هذا في لقاء جمعها مع الوزير السابق في 17 أيلول الذي اضطرّ للمغادرة بسبب بدء تفجيرات جريمة البيجر، فأكملت زينب اجتماعها مع مستشاره بطرس فرنجية وأطلعته على الرفض الدائم لظهورها ومنح زملاء من خارج التلفزيون فرصة تنفيذ مقترحات تقدّمت بها هي وما تعانيه من إقصاء مستمر بسبب الحجاب. وتنقل زينب عن فرنجية تأكيده أن من حقها الظهور على الشاشة وأن الحجاب ليس مانعًا، واعدًا إياها بحلّ المشكلة.
لم يدم الأمر طويلًا، حتى فرض توسّع الحرب الإسرائيلية على لبنان في الأسبوع نفسه عودة زينب إلى الشاشة. عندما قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيليّة الضاحية الجنوبية لبيروت واغتالت الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في 27 أيلول، وقفت مديرة الأخبار تبحث عن مراسلين يذهبون إلى الضاحية، ولا يستجيب لها أحد، وللأسباب عينها التي جعلتهم يحجمون عن الذهاب إلى الجنوب في بداية العدوان “حيث يعتبر الزملاء أنّ في الأمر مخاطرة غير مستحقّة في غياب التأمين وضعف الرواتب، لكنّني كنت أشعر أنّ التغطية واجب هنا”، توضح زينب. مجددًا بادرت زينب للتغطية، وعادت إلى الشاشة بحجابها وسترة الصحافة، تغطّي العدوان يومًا بيومٍ من على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت.
وكان واضحًا أنّ عودة زينب إلى الشاشة في هذه المرحلة، من دون أي اعتراضات أو مضايقات كما تقول، لا يعود إلى أنّ المؤسّسة قرّرت إنصافها، بل لأنّ الخطر كان داهمًا، ولأنّ المراسلين اعتذروا عن التغطية. ليتبيّن أنّ كلّ ما قيل لها سابقًا لم يكن سوى ذرائع للتمييز، تسقط تلقائيًا أمام الحاجة الملحّة.
تقول زينب إنّها قبل عشرة أيام من انتهاء الحرب، طرحت مسألة نقلها رسميًا من مديرية التواصل الاجتماعي (السوشل ميديا) إلى مديرية الأخبار، وذلك خلال حديثها مع مديرة الأخبار دينا رمضان. وتضيف أنّ الأخيرة أثنت بشدة على أدائها، مؤكدة كفاءتها ومهنيتها كمراسلة، لكنها تابعت بالقول: “أنتِ محجّبة، وظهورك على الشاشة يحتاج إلى قرار سياسي لا أستطيع تحمّل مسؤوليته، لاسيّما أنّ الوزير الحالي (مكاري) هو وزير تصريف أعمال”.
وبحسب زينب، طلبت منها رمضان تقديم الطلب مباشرة إلى الإدارة، رغم أنّ الأصول الإدارية في تلفزيون لبنان (كما في أي مؤسسة أخرى) تقتضي تقديمه إلى المديرة المباشرة لها كمراسلة أي رمضان.
ثمّ اقترحت عليها اللجوء إلى “الواسطة”، وهي نصيحة رفضتها زينب، وقررت على إثرها تعليق عملها المؤقت في مديرية الأخبار، واستكمال مهامها في “الشريط الإخباري” ضمن قسم السوشل ميديا.
تقول زينب في شهادتها: “شعرت بالإهانة لكوني أُعامَل كمراسلة ‘عند القَطعة’. شعرت بالإهانة لأنّ مظهري، وتحديدًا حجابي، وليس كفاءتي وخبرتي، يُعتبر عائقًا أمام تقدّمي المهني. والإهانة الأكبر أن يُقال لي إنّ عليّ اللجوء إلى واسطة، وأن أطلب من أحدهم أن يتفضّل عليّ بمسيرتي، فقط كي أحصل على فرصة متساوية مع الآخرين”.
الاستقالة
علّقت زينب عملها المؤقت مع مديرية الأخبار وبالتالي أوقفت تغطيتها خلال الأيّام العشرة الأخيرة من العدوان قبل وقف إطلاق النار، وأخذت إجازة غير مدفوعة استمرّت قرابة شهرين ونيّف لتعود في بداية شهر شباط، وتتحدّث معها مديرة الأخبار التي وعدتها أنّ قضيّتها ستُحلّ مع قدوم وزير الإعلام الجديد بول مرقص وينوي خيرًا للتلفزيون ونصحتها بالحديث معه.
توضح زينب أنّها ذهبت لمقابلة الوزير مرقص في مكتبه بالطابق الخامس في مبنى التلفزيون وطلبت لقاءه عبر مساعِدة المدير العام، ندى صليبا، وهي المرة الأولى التي تلتقي بها زينب بصليبا، التي أخبرتها أنه مشغول ووعدتها بتنسيق اجتماع مع مستشارة الوزير بولين اليموني، وهو ما لم يحصل.
تُكمل زينب أنّها علمت لاحقًا أنّه تمّ تغييبها عن اجتماع لقسم السوشل ميديا في آذار، دُعي إليه جميع العاملين في القسم، باستثنائها، ومن دون أي تفسير. وتبيّن لاحقًا، وفقاً لما سرّبه أحد الحاضرين، أنّ الاجتماع لم يكن اعتياديًا، بل حضره مستشارو وزير الإعلام بول مرقص وعدد من إداريي التلفزيون، وجرى خلاله طرح قضية زينب. في ذلك الاجتماع، ناقشت اليموني، مسألة حجاب زينب، معتبرةً أنه “لا يشبه هوا تلفزيون لبنان”، وأضافت: “هيدا رمز ديني”، وفق ما نُقل لزينب. وعندما اقترح أحد المستشارين أن توكَل إليها تغطية أنشطة مرتبطة بالمؤسسات الدينية كدار الفتوى أو المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ردّت اليموني: “ما في داعي، الصبايا الباقيين بيحطّو فولار عراسن بس يروحوا”.
تقول زينب إنّ هذا التغييب، إضافة إلى تجاهل طلباتها للقاء الوزير، دفعها إلى تقديم استقالتها رسميًا في 13 آذار 2025. وفي رسالة الاستقالة الموجّهة إلى الوزير عبر مدير البرامج في التلفزيون هيثم كالوت بحسب الأطر القانونية، كتبت زينب أنّه كان لها “شرف الظهور كأول فتاة محجّبة عبر تلفزيون لبنان”، لكنها اختارت المغادرة “بعد يأس من انتظار تقديرٍ للموظف في هذه المؤسسة”، معتبرة أنّ “ازدواجية المعايير” هي ما دفعها إلى ترك “المؤسسة الوطنية التي تبيّن أنها وطنية مجتزأة، وطنية، هي وطنية لمن لا يرتدين الحجاب فقط”.
قوبلت استقالة زينب بتجاهل ومن دون ردّ من الوزير أو من ينوب عنه. ومن بين الوقائع التي تسردها زينب بعد استقالتها، أنّ اليموني، حدّدت معها موعدًا لاجتماع لبحث ملفها، إلّا أنّها تخلّفت عن الحضور من دون توضيح أو اعتذار، رغم أنّ زينب حضرت إلى التلفزيون حيث كان اللقاء مقررًا وانتظرتها لساعة ونصف الساعة. في المقابل، التقت زينب بمستشار آخر للوزير، هو يوسف فواز، الذي أبلغها بأنّ ظهور المحجّبات على شاشة تلفزيون لبنان محكومٌ بعرفٍ لا يستطيع الوزير تجاوزه.
وقد أوضح فواز موقفه بالقول إنّ السماح لزينب بالظهور كمحجّبة سيكون سابقةً تُسجّل للوزير كنقطة إيجابية من جهة، لكن في الوقت نفسه قد تُحسب عليه كنقطة سلبية، لأنّه أمر لم يحصل من قبل. وردّت زينب على هذا التبرير مؤكدة لفوّاز أنّ ظهورها لن يكون سابقة، بل حدث سابقًا خلال فترة الحرب، وتابعت لفواز قائلة إنّها لا تُحمّل الوزير الحالي، بول مرقص، المسؤولية الشخصية، بل تعتبر أنّ المشكلة تكمن في “السيستيم” وليس في الأفراد، بدليل أنّها سبق وقدّمت استقالتها بالنص ذاته للوزير زياد المكاري، “ووعدوني بحل، ثمّ وقعت الحرب، وطُلب مني الظهور على الشاشة فاستجبت، واعتبرت أن المسألة قد حُسمت ضمنًا. لكن لاحقًا حين طلبت نقلي رسميًا إلى مديرية الأخبار، تَبيّن أن شيئًا لم يتغيّر”. وجددت زينب طلبها لقاء الوزير مرقص، سائلة فوّاز: “أليس الوزير محامٍ ورجل قانون؟ أنا أريد أن ألتقيه ليشرح لي ببساطة القانون الذي يمنع ظهوري كمحجّبة على الشاشة”.
لاحقًا، طُرح على زينب، وفق شهادتها، تقديم برنامج عبر إذاعة لبنان، لكنّها رفضت ما وصفته بمحاولة “الترقيع”، وأصرّت على معالجة جوهر المشكلة داخل تلفزيون لبنان.
من الأمور التي تحزّ في نفس زينب في القضية وقوف نقابتها أي نقابة مستخدمي تلفزيون لبنان التي هي عضوة فيها منذ آب 2023، إلى جانب الإدارة. فحين تواصلت مع النقيبة للاستفسار عن أسباب التمييز ضدّها “كان الجواب أنّ لا نصّ يمنع المحجّبات من الظهور لكنّه العرف”. وقد تواصلت “المفكرة” مع النقيبة الشدياق لاستيضاح موقف النقابة لكنّها رفضت التعليق، في المقابل تشير مصادر في تلفزيون لبنان لـ “المفكرة” إلى أن النقابة رفضت إعطاء رأي في القضية لأنها تتوافق مع رأي الإدارة بأن الموضوع عرف قديم ويحتاج إلى قرار من مجلس الإدارة لتغييره. وعلِمت “المفكّرة” أنّ الشدياق كانت قد عبّرت عن “استغرابها” لموقف زينب “رغم أنّ الجميع يعرف القواعد جيدًا في التلفزيون منذ أن بدأت العمل”.
من التمييز إلى تكميم الأفواه
مع استمرار التملّص من السماح لزينب بمقابلة الوزير مرقص، نشرت استقالتها الموجّهة إلى الأخير مساء الأربعاء 2 نيسان 2025 من خلال منشور على منصّة “X” لتأخذ القضية بعدًا علنيًا واسعًا. وقالت زينب في المنشور إنّ الوزير تعامل منذ الاستقالة حتى اليوم بـ”لا مبالاة”، مشيرة إلى أنّه “من وقتها لهلق، معالي الوزير ما فضي يعطيني موعد حتى يسمعني ويفهم الموضوع”. وبعد يومين على النشر، والتفاعل الكبير الذي أخذته القضيّة، تقول زينب إن هناك من تواصل معها وقال لها أن تتوقع اتصالًا وتحديد موعد للقاء الوزير ظهر اليوم التالي، في مقابل أن “تخفّف شوي”. فنشرت زينب منشورًا جديدًا قالت فيه: “هي ليست معركة من أجل الضجيج، إنما من أجل انتزاع حقّ.. تلقيتُ إشارات إيجابية.. وغدًا “نبني على الشيء مقتضاه”.
إلّا أنّ اليوم التالي جاء وبدلًا من أن يتمّ التواصل معها، صدر بيان من مساعدة المدير العام ندى صليبا، أشارت فيه إلى زينب بصيغة “إحدى المتعاقدات” من دون تسميتها، وذكّرت بأنّ “تلفزيون لبنان لا يعتمد تاريخيًا أو عرفًا أي إشارات أو شعائر أو رموز دينية لإظهارها على الشاشة”. وأضاف البيان أنّ موضوع الحجاب “أُثير في عهد سابق، لكن حُسم بعدم تعديل هذا التوجه”.
وقد حاولت “المفكرة” الاتصال بصلبيا لاستيضاح بيانها وكذلك موقفها من كامل القضيّة، فوعدت بإعادة الاتصال، لكن لم ترد على محاولاتنا الحصول على تعليق منها. وتردّ زينب في شهادتها لـ”المفكّرة” على البيان بأنّ: “حجّة العرف لم تظهر عندما رفض عدد من المراسلين التوجّه إلى الجنوب أو الضاحية خلال الحرب، وتمّت الاستعانة بي بدلًا منهم. لستُ رقمًا إضافيًا يُستدعى عند الحاجة ويُقصى عند المطالبة بالحق”.
منذ شباط وحتى الاستقالة، كانت زينب تسعى لمقابلة الوزير مرقص كموظّفة، ومنذ الاستقالة وحتّى نشرها، كانت تسعى للحصول على ردّ منه، لكن التطوّر الدراماتيكيّ الذي ستشهده هذه الديناميّة، هي حين سيتّصل بها مستشار الوزير ناقلًا لها، وفق شهادة زينب، طلبًا من الوزير بالتوقّف عن النشر على صفحاتها والتحدّث عن قضيّتها أمام الإعلام في مقابل إمكانيّة أن يحدّد لها الوزير موعدًا. وتقول زينب إنّ ردّها كان بأنّها ولدى حصولها على موعد “سيكون لديّ من الشجاعة ما يكفي لأن أكتب على صفحتي أنّ القضيّة باتت في عهدة الوزير وأثق في أنه سيتابعها”، وتروي أنّ ردّ المستشار كان بالطلب منها إرسال ردّها كرسالة نصيّة، سرعان ما سيصل الجواب عليها بأنّ الوزير يطلب التوقّف التام عن النشر والحديث للإعلام، وأن تنتظر بعدها زينب اتصالًا يحدد لها موعدًا للقاء شرط أن تلتزم الصمت، ودائمًا بحسب شهادة زينب.
في هذه المرحلة من قصة زينب يتبيّن أنّ التمييز لم يعد مقتصرًا على الإقصاء من الشاشة، بل يتحوّل إلى محاولة صريحة لقمع صوت يطالب بحقه من خلال محاولة إسكاتها مقابل “وعد بلقاء”. وقد تواصلت “المفكرة” مع الوزير مرقص الذي فضّل عدم التعليق على القضية واكتفى بالقول إنه يريد معالجة الأمور وفق مسار مؤسساتي عبر تشكيل مجلس جديد لإدارة تلفزيون لبنان يتولّى هو أخذ قرار بالموضوع.
زينب ليست الأولى
بالتدقيق، يتبيّن أن قضية زينب ليست الأولى من نوعها، ففي شباط 2024، أوقفت إدارة تلفزيون لبنان مقدّمة البرنامج الاقتصادي ندى الحوت بعد نحو 20 عامًا من الظهور على الشاشة بعد قرارها ارتداء الحجاب، رغم اعتراضها حينها. تواصلت “المفكرة” مع ندى التي فضّلت عدم التعليق مكتفية بالقول إنّ فترة تلفزيون لبنان أصبحت وراءها. وعلمت “المفكرة” من مصادر في التلفزيون أنّ ندى تقدّمت إلى القناة بطلب موسم جديد من البرنامج لكنّها واجهت رفضًا صريحًا وقيل لها إنّ “السبب هو الحجاب”.
وعند البحث عن حالات مشابهة، رصدت “المفكرة” حالة أخرى هي الإعلامية حوراء الحلاني، التي تقول إنّ أحد العاملين داخل التلفزيون تواصل معها للتدرّب مع فريق الرياضة في تلفزيون لبنان عام 2018 عندما فتح المجال للصحافيين الرياضيين للعمل في صفوفه بعد حصوله على حقوق بث كأس العالم حينها. تقول حوراء لـ “المفكرة” إنّ الزميل نفسه تواصل معها في اليوم التالي ليخبرها إنه يعتذر منها لأنّه “ما بدّن محجبات”. تقول حوراء إنّه في حينها كانت خرّيجة جديدة من كلية الإعلام وكان لديها حماسة للتجربة وكمواطنة لبنانية كانت تجد فيها فرصة لكنّ هذه الفرصة “قتلت وكفتاة في الحادي والعشرين من عمري شعرت بالإقصاء ضمن بلدي في وقت سُمح لآخرين بأخذ هذه الفرصة”. وتضيف: “منذ ذلك الحين ألغيت فكرة نزع الحجاب بعد أن مررت بمرحلة تردد في السابق. فتلك اللحظة كانت مفصلية جعلتني أشعر بأن الحجاب هو هوية لن أتخلّى عنها أبدًا وهو بالنسبة لي رمز بوجه العالم الكاذب”.
بالنسبة لأستاذة الإعلام في الجامعة اللبنانية زينب خليل إنّ “التمييز ضدّ المحجّبات في وسائل الإعلام انخفض في السنوات الماضية بسبب انتشار الحجاب بشكل أكبر وظهور مؤسسات إعلامية بديلة عن الإعلام التقليدي”، لكنّها تكشف عن أنّ طالباتها المحجّبات بتن لا يتقدّمن للعمل في المؤسّسات الإعلاميّة التقليديّة لأنهن يتوقّعن الرفض، مشيرة إلى أنّ “عدم ظهور المحجبات على الشاشة مربوط بعقلية مذهبية تقليدية قديمة جعلت من الإعلام البديل مساحة تعبير جديدة للمحجبات”.
المتابعة النيابية تعيد إحالة القضية إلى الوزير
يوم الإثنين الماضي، طُرحت قضية زينب رسميًا خلال جلسة لجنة الإعلام والاتصالات في مجلس النواب، وانتهت، بحسب مصادر “المفكرة”، إلى إحالة القضية إلى وزير الإعلام لاتخاذ الإجراءات المناسبة ضمن الأطر المؤسسية. ووفق المصادر نفسها، أكّد النائب إبراهيم الموسوي الذي طرح القضية أنّ “تلفزيون لبنان يعالج الموضوع كما يشاء، ولكن من فلسفة وطنية ومن موضوع دستوري بحت، لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك”. وعند التواصل معه لاحقًا من قبل “المفكرة” لاستبيان موقفه، فضّل عدم الخوض في التفاصيل، مكتفيًا بالقول: “لم نتطرق للموضوع من خلفية فردية، بل بمقاربة عامة تتّصل بالحرّيات”.
في المقابل، جاءت مواقف النائبتين القعقور وعزالدين أكثر وضوحًا وحزمًا في توصيف التمييز ضد المحجبات باعتباره مخالفًا للدستور ولمبادئ الدولة الديمقراطية.
فتقول القعقور لـ “المفكرة” إنّ “ما يُسمّى عرفًا بمنع المحجّبات من الظهور على الشاشة ليس عرفًا بالمعنى القانوني، بل ممارسة تمييزية فاضحة تقوم على أساس المعتقد، والجنس، والمظهر، والخلفية الثقافية”. وتضيف: “التحجّج بالعلمانية لتبرير هذا السلوك يُسيء لجوهر العلمانية ذاتها، فالدولة العلمانية التي نطمح إليها لا تقصي مواطنيها، بل تحمي تنوّعهم، وتحترم الرموز الدينية كافة”. وتشدّد القعقور على أنّ الأنظمة الديمقراطية لا تُقصي النساء المحجّبات من الإعلام، بل تصون خياراتهنّ وتقدّر مساهماتهنّ في الفضاء العام. وتدعو وزير الإعلام إلى تحمّل مسؤوليته الكاملة في إنصاف الإعلاميّات المحجبات، ومن بينهن زينب في هذه القضية.
أما النائبة عناية عزالدين، فتركّز على الازدواجية البنيوية في التعامل مع الهوية الدينية داخل مؤسسات الدولة. وتقول لـ “المفكرة”: “في لبنان، كلّ إنسان يتولّى موقعًا ما، هو في الغالب هناك لأنّه ينتمي إلى طائفة معيّنة، بما في ذلك مجلس إدارة تلفزيون لبنان نفسه. فكيف يمكن الحديث عن حظر الرموز الدينية، بينما الانتماء الطائفي ظاهر في كل مفاصل الدولة، من الأسماء إلى المواقع؟”
وتتابع عزالدين: “ما يُسمّى عرفًا في هذه الحالة، هو حجّة لتبرير التمييز ضدّ المحجّبات، بل يُخفي في جوهره نظرة دونيّة تجاه هذه الفئة من النساء التي يمثّل الحجاب جزءًا من هويّتها”. وتضيف: “مع احترامي للصديق العزيز بول مرقص، وزير الإعلام، لكنّه قادر على تصحيح هذا الوضع، وإلغاء هذا العرف. والسؤال هنا: من وضع هذا العرف أصلًا؟ وهل كان البلد بخير حين وُضعت هذه الأعراف قبل 70 عامًا؟”
وتختم عزالدين بالتأكيد على أنّ انتظار تشكيل مجلس إدارة جديد لا يُبرّر التلكّؤ في معالجة القضية، قائلة: “من المعيب أن نضطر في القرن الحادي والعشرين لخوض معركة من أجل حقوق النساء المحجّبات في العمل الإعلامي”.
“تطييف القضيّة يُبعدها عن حقوقيّتها”
على وسائل التواصل الاجتماعي، تناول المستخدمون القضية بشكل طائفي، مع فرز حاد. ولجأ عدد منهم، عقب بيان صليبا بشأن منع الرموز الدينية على التلفزيون، إلى نشر صور لمذيعات في تلفزيون لبنان يرتدين الصليب، وهو ما طرح إشكاليّة هامّة لكن يمكن أن ينزلق الخطاب فيها إلى الطائفيّة بسهولة.
وردّت المذيعات خلال حلقة من برنامج “هنا بيروت” مع الإعلامي غدي بو موسى على قناة “الجديد” إنّ الإدارة كانت توجّه إنذارات إلى من يرتدون شعارًا دينيًّا على الهواء، إلّا أنّ مراجعة فيديوهات القناة على “يوتيوب” يظهر أنّ إعلاميات عدة ظهرن على الشاشة وهنّ يرتدين الصليب في الفترة بين 2016 و2023. وقد أكّدت زينب خلال الحلقة نفسها أنّ “الصليب في رقبة الزميلة المسيحيّة لا يستفزّني أبدًا بل أنا أدافع عن حقّها في ارتداء الصليب كما أدافع عن حقّي في ارتداء الزيّ الذي يناسبني”.
خلال الحلقة نفسها، طرح بو موسى أسئلة عن “التمييز بين الموظف المسيحي والموظف المسلم في التلفزيون”، فردّت زينب: “لو لم أكن محجبة وطلبت نقلي لما حدثت مشكلة أو بلبلة”، وأضافت: “المشكلة ليست في زينب المسلمة بل في زينب المحجّبة”، في إشارة إلى أنّ الموضوع ليس تمييزًا طائفيًا بل تمييزًا على أساس اللباس والجندر يطال المرأة المحجبة وحقوقها.
ورغم أجوبة زينب، استمرّت إدارة الحلقة بشكل غير متوازن، إنْ لناحية عدد الزميلات الموضوعات في وجهها، أو لجهة اعتماد المقدّم أسلوب المساءلة مع زينب دون سواها، وصولًا إلى الاتهام بالتلميح والتصريح أنّ زينب ادّعت أنّ التمييز هو ضدّ المسلمين في وجه المسيحيين، مع نفي متكرّر من جانبها. وحين نشرت القناة مقتطفًا من الحلقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كان بعنوان “هجوم على تلفزيون لبنان: الصليب مسموح والحجاب ممنوع… مذيعو التلفزيون يردون على اللغط ويوضحون”.
تقول الباحثة والناشطة السياسية زينة الحلو إنّ التمييز ضدّ النساء في قضية الحجاب من عدمه لا سيّما في ميدان التوظيف يظل في الأغلب جزءًا من ثقافة “المسكوت عنه”، ومع ذلك، “لا يُناقش هذا الموضوع بجوانبه المتعددة الدينية والهوياتية والثقافية والاجتماعية”، بحسب الحلو.
وعن إصرار تلفزيون لبنان – بوصفه شاشة وطنيّة تابعة للدولة وينتظر أن تكون جامعة – على أنّه يمنع ظهور الشعارات الدينيّة على شاشته، واستعمال هذه الممارسة كذريعة لإقصاء صحافيات محجبات، تقول الحلو: “نجد ميلًا لمفهوم “هوية اللاشيء” بدلًا من قبول “هوية الكل شيء”.
وتعرب عن اعتقادها أنّ هذه القضية تمثل جزءًا من الارتباك الهوياتي “حيث نجد صعوبة في تحديد هوية هذا البلد ونجد أنفسنا غير قادرين على قبول تعدد الهويات فيه”، وتضيف: “يبدو كما لو أن وجود هوية واحدة يستلزم إلغاء الأخرى، ولا يوجد مكان يسع الجميع وكل الهويات، ولا توجد هوية وطنية شاملة للهويات الدينية. لهذا نجد أنفسنا نعود دومًا إلى هذا النقاش ولدينا تصوّر عن “هوية مشتركة” هي بالتالي هوية سلبية، أي هوية “اللاشيء”، بدلًا من أن تكون هوية “الكل شيء”. هذه الهوية لا تعبر عن الإسلام أو المسيحية، ولا نستخدم الصليب ولا الحجاب ونتجاهل الفكرة الأساسية المتمثلة في أنّ أسماءنا تعكس هوياتنا الدينية”.
وترى الحلو أنّ “تطييف النقاش ليس سطحيًا، بل خبيثًا لأنّه يطبّع التجهيل، وينقل الموضوع من حقوقيته إلى طابع آخر بفرض القبول بهذه الأعراف والتقاليد دون إمكانية تحدّيها بهدف عدم الارتقاء بالحقوق المجتمعية”. وتعطي الحلو هنا مثالًا عن روزا باركس عندما رفضت القيام عن مقعدها لصالح الرجل الأبيض رغم مخالفتها القانون في حينه. وتضيف: “هنا يطرح سؤال آخر، من قال إنّ القانون هذا مقدّس؟ كيف لو لم يكن هناك قانون أساسًا بل أعراف بالية”.
وتضيف أنّ ترك الأمور على مداها بهذا الشكل يفتح الباب لهويات متناحرة، حيث يسعى كل طرف لفرض صورة معيارية خاصة به ضمن مساحات سيطرته. النتيجة تكون مزيدًا من العزلة والتناحر، وعزلة مضاعفة لمن لا يجد نفسه في أي من هذه الهويات، وتناحر بين جماعات لا تتواصل بل تتصادم، ما يؤدي إلى فوضى تُقصي كل من لا يُشبه “المعايير” الموضوعة، أو الصورة المعياريّة للأشخاص المتحكّمين بالمساحات العامّة والخاصّة، وهنا عودة إلى بيان صليبا الذي ربط إقصاء الصحافية المحجّبة بـ”المعايير المعتمدة منذ عقود طويلة”.
هل تمثّل شاشة تلفزيون لبنان الدولة فعلًا؟
يقول الأستاذ الجامعي المتخصّص في القانون الدستوري والباحث في “المفكّرة” وسام اللحام إنّ التمييز ضدّ المحجّبات من قبل التلفزيون الرسمي يخرق في المقابل حقًا دستوريًا مكرّسًا لناحية حرية الاعتقاد وحرية الضمير.
ويلفت في حديث لـ “المفكرة” إلى أنّه “في لبنان، الحياد المطلوب من الموظف العام هو عدم التحيّز تجاه المواطنين، بغضّ النظر عن انتمائهم الديني، وهذا واجب قانوني ملزم. أما الحياد بمعنى الامتناع عن إظهار الانتماء الديني، فغير موجود، فالدستور يعترف بالطوائف وينظّم شؤونها ويكفل حرّيتها”.
ويشدّد على أنّ “حياد الدولة اللبنانية مكرّس في الدستور، فنحن دولة مدنية، والدولة محايدة في تعاطيها مع الطوائف ولا تفضّل طائفة على أخرى. لكن هذا الحياد ليس بالمفهوم الفرنسي”.
ويشرح أنّ “النموذج الفرنسي الأقصى للعلمنة الذي يتجه نحو منع ظهور الدين في القطاع العام، يختلف عن العلمانية الأنغلوساكسونية، كما في الولايات المتحدة وبريطانيا مثلًا، حيث تُطلب من الدولة حيادية تامة، لكنها لا تمنع الدين من الظهور في المجال العام. أما في لبنان، فالنموذج الفرنسي غير قابل للتطبيق، لأننا أساسًا لا نحتاجه”.
ليست قضية زينب ياسين مفصولة عن واقع الحياة السياسية والاجتماعية والطائفية في لبنان، لكنّها جزء من نضال حقوقي مشروع تخوضه النساء اللبنانيات وبشكل خاص المحجّبات ضدّ أحد أبرز أشكال التهميش ضدّهن بسبب ارتداء الحجاب. قضية وإنْ حاول البعض طمسها بحجّة الأعراف أو وضعها في الأدراج بحجّة انتظار قرار المؤسسة، ستبقى تستمدّ شرعيتها من نضال النساء المستمر في لبنان لاستعادة بعض من الحقوق التي عرف المجتمع الأبوي اللبناني أن يطمسها “بهدوء” لعشرات السنوات.
تعكس قضية زينب التمييز في مؤسسة يفترض أن تكون لجميع اللبنانيين. وتشكّل نقطة انطلاق لسؤال كبير: هل هذه الشاشة تمثّل الدولة فعلًا، أم أنّها مجرّد امتداد لصراعاتها وقيودها؟ في بلدٍ تتوزّع فيه السلطات على الطوائف، ويبقى التمثيل رهن العُرف، تبقى شجاعة الصحافيّات، مثل زينب، هي الطريق الوحيد نحو المساءلة.
يرنّ هاتف زينب خلال مقابلتنا، أبوها على الجهة الأخرى من الاتصال، تبتسم، تقول إنّه “للمفارقة لم يكن يومًا فخورًا بها كما هو اليوم، يكثر من الاتصالات يصفني بـ “الوحشة” ويسألني “من أين تأتين بكل هذه القوّة؟”