بقلم علي سويدان
بعد تحقيق قضائي استمرّ 7 أشهر، تخلّله العديد من المطبّات والعراقيل ومحاولات الاستئخار والتعطيل، أصدر قاضي التحقيق الأوّل في بيروت بالإنابة بلال حلاوي في تاريخ 8/4/2025 القرار الظنّي في القضية التي عرفت بقضية “حساب الاستشارات” في مصرف لبنان والتي أوقف فيها حاكم المصرف السابق رياض سلامة في أيلول الماضي.
وقرر حلاوي اعتبار أفعال رياض سلامة من نوع جنايات اختلاس وسرقة أموال عامة وتزوير واستعمال مزوّر (المواد 360/359 و460/459 و454/460/459 و638 من قانون العقوبات). كما اعتبر أفعال المحاميين مروان عيسى الخوري وميشال تويني من نوع التدخّل في هذه الجنايات، واعتبرهم جميعًا في حالة الإثراء غير المشروع سندًا للقانون 154/1999. وخلافًا لمطالعة النيابة العامة المالية، منع حلاوي عنهم المحاكمة بجرم الإثراء غير المشروع المنصوص عليه في القانون 189/2020 وبالجرم المتعلّق باستثمار الوظيفة المنصوص عليه في المادة 363 من قانون العقوبات.
وكانت النيابة العامة المالية قد ادّعت على سلامة والمحاميين عيسى الخوري وتويني بعد تسلّمها التقرير الجنائي الصادر عن شركة “ألفاريز ومارسال” (Alvarez and Marsal) من هيئة التحقيق الخاصّة لدى مصرف لبنان عن طريق النيابة العامة التمييزية. وجاء في القرار أنّ سلامة اتخذ قرارًا منفردًا أُجريت بموجبه تحويلات مالية من حساب الاستشارات في مصرف لبنان إلى حسابات مفتوحة باسم ميشال تويني (أو سلوى بيضون)، الذي أصدر شيكات مصرفية لأمر مروان عيسى الخوري، حيث قام بتظهيرها لمصلحة رياض سلامة ليودعها في حسابه الشخصي. وقد بلغ مجموع قيمة الأموال موضوع الدعوى حوالي 44 مليون دولار أميركي.
وردّ حلاوي في قراره الظني طلب إخلاء السبيل المقدّم من سلامة، كما ردّ طلب المحامييْن باسترداد مذكرتي التوقيف الغيابيتين الصادرتين في حقهما في تاريخ 27/02/2025، وقرّر إحالتهم جميعًا للمحاكمة أمام محكمة الجنايات. ومن المنتظر أن تحيل النيابة العامّة المالية الملف إلى الهيئة الاتهامية في بيروت لتصدر قرارها الاتهامي في القضية.
تضمّن قرار حلاوي مسائل واقعية وقانونية في غاية الأهمية، لكنه في الآن عينه أهمل مسائل أخرى من النوع نفسه، بحيث كان ما غاب عن القرار يوازي من حيث الأهمية ما حضر فيه. وهذا ما سنتناوله في ما يلي.
إشاحة النظر عن العمولات الكبرى
استمرّ قاضي التحقيق على النهج الذي اعتمدته النيابة العامة المالية بحصر الادّعاء في القضية بأموال لا تتعدى قيمتها 44 مليون دولار مع العلم أنّ تدقيقًا أجرته شركة “كرول” (Kroll) على خلفية تقرير التدقيق الجنائي في مصرف لبنان الذي وضعته “ألفاريس أند مارسال”، كشف عن تورّط مصرف لبنان في عمليات بيع لسندات وشهادات إيداع بقيمة 8 مليارات دولار لشركة “أوبتيموم” (Optimum) ثم شرائها مجددًا بقيمة مضاعفة. ولم يتطرّق القرار الظني، كما ادعاء النيابة العامة ثم مطالعتها، إلى هذه المبالغ، ولم يظهر في القرار أنّ تحقيقًا جدّيًا أجري في شأنها.
يبعث هذا النهج القضائي المتبّع على القلق من حصر الملف بمبالغ محدودة نسبيًا، وبأشخاص معيّنين، من دون التوسّع في التحقيق الذي تفرضه المعطيات المتوفرة، والذي من شأنه أن يظهر استفادة جهات أخرى من العمولات، وبالتالي تورّطها في جرائم تُفضي إلى ملاحقتها جزائيًا ومدنيًا. وما يزيد من جدية المخاوف، الأساليب التي استخدمت لكف يد النائبة العامة السابقة لجبل لبنان غادة عون عن كل ما يتّصل بعمولات “أوبتيموم”، من مخاصمتها أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز والتعميم على الضابطة العدلية بالامتناع عن العمل بأي إشارة صادرة عون، ورفض حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري تزويدها بأية معلومات، بالإضافة إلى إقصاء هيئة القضايا عن التحقيق بهدف التحكّم بإطاره من دون أي توسع.
تجدر الإشارة إلى أنّ قاضي التحقيق غير ملزم بالتقيّد بنطاق الجرائم الذي تحدّده النيابة العامة في ادّعائها، إذ إنّ المادة 60 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تمنحه الحقّ في التحقيق بالجرائم المتلازمة من دون ادّعاء مسبق من النيابة العامة.
الدولة: المتضرّر الأكبر، الغائب الأكبر
رفض قاضي التحقيق طلب الدولة اللبنانية ممثلة برئيسة هيئة القضايا السابقة في وزارة العدل هيلانة اسكندر، الانضمام إلى الدعوى. وكان سبق لحلاوي أن رفض حضورها جلسة استجواب سلامة في 9/9/2024 تبعًا لمعارضة هذا الأخير، إلى حين إثبات صحّة صفتها للادّعاء الشخصي. كما كلّفها بإثبات موافقة وزير المال على الادّعاء، وبإثبات صفة الدولة وتاليًا ضررها. وتبعًا لاستئناف اسكندر، قرار حلاوي منعها من الانضمام وحضور جلسات التحقيق، وقرّرت الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي نسيب إيليّا في تشرين الأوّل 2024 ردّ الاستئناف لاعتبارها أنّ قرار حلاوي غير قابل للاستئناف كونه لم يتمّ تدوينه في محضر الجلسة. ويقبل هذا القرار الانتقاد كونه استند إلى اعتبارات شكلية على نحو يعيق تمثيل الدولة في القضية.
وفيما كان المطلب الأوّل قد أثير من قَبْل في قضية عمولات شركة “فوري” (Fawry)، وانتهى بعدما أرسل وزير المالية السابق يوسف الخليل إلى الهيئة كتابًا استغرب فيه توجيه طلب إليه في هذا الشأن مسلّمًا بصلاحيّتها القيام بما تراه مناسبًا لحماية حقوق الدولة. وقد اعتبرت “المفكرة القانونية” حينها أنّ اشتراط القاضي موافقة مسبقة من الوزارة المختصّة ينمّ عن إرادة في إخضاع مهامّ هيئة القضايا للاعتبارات والضوابط السياسيّة من دون أن يكون لها التدخّل في أي دعوى من تلقاء نفسها حماية لمصالح الدولة، وذلك خلافًا لمبدأ استقلالية هذه الهيئة في الدفاع عن الصالح العام.
أمّا المطلب الثاني المتمثل بإثبات الضرر الواقع على الدولة، فقد فنّد ائتلاف استقلال القضاء في بيانه الصادر في 13 أيلول 2024 مدى غرابته في ظروف القضية الحاضرة. فعدا عن أنّ الدولة هي المالك الوحيد لمصرف لبنان وأنّها تتحمّل وفق المادة 116 من قانون النقد والتسليف خسائره بشروط محدّدة، ممّا يجعلها طبعًا متضرّرة من أيّ استيلاء على أمواله، فإنّ المخالفات المعزوّة إلى إدارة مصرف لبنان أسهمت بصورة أساسية في الانهيار المثلّث غير المسبوق أي الانهيار المالي والاقتصادي والنقديّ. ومؤدّى هذا الانهيار خسارة الدولة القيمة الفعليّة للعديد من حساباتها المصرفية المودعة لدى مصرف لبنان وقيمة مواردها وعملتها الوطنيّة فضلًا عن الضرر الجسيم الذي أصاب مرافقها العامة واقتصادها وقطاعها المصرفيّ. وقد ذهب الائتلاف إلى حدّ القول إنّ الضرر الذي تكبّدته الدولة من جرّاء المخالفات المعزوّة إلى سلامة يكاد يعدّ أكبر ضرر تعرّضت له دولة من جرّاء أعمال حاكم مصرفها المركزي، فضلًا عن كونه من أكبر الأضرار التي تسبّب بها موظف عام لبناني لدولته، بمعنى أنّ كلمة ضرر تفقد معناها المتعارف عليه منطقيًا ولغويًا في حال اعتبار أنّ الدولة لم تتضرّر من أعمال سلامة.
وبالرغم من أهمية طلب هيئة القضايا، لم يعطِ القرار الظنّي الموضوع حقّه في التعليل. فاكتفى بعدم إجابة الطلب في ضوء اتخاذ مصرف لبنان صفة الادعاء الشخصي ومطالبته بإلزام المدعى عليه رياض سلامة بإعادة المبالغ موضوع الملاحقة إضافة إلى العطل والضرر. وكأنّه بذلك يوحي بأنّ اختلاس مبالغ من أموال مصرف لبنان لا يشكّل بحدّ ذاته إضرارًا في مصالح الدولة طالما أنّ لمصرف لبنان شخصية معنوية مستقلّة عن الدولة.
وما يزيد من قابلية هذا القرار للانتقاد توجّه كتل نيابية عدّة نحو تشريع بيع أصول الدولة ومرافقها من أجل سدّ فجوة خسائر مصرف لبنان. وليس أدلّ على هذا التوجّه من مراجعة اقتراحات القوانين الثلاثة المقدّمة من كتل تمثل جزءًا وازنًا من المجلس النيابي، وهي كتل لبنان القوي والجمهورية القوية والتنمية والتحرير، والهادفة إلى تخصيص أموال الدولة من أجل معالجة الفجوة المالية الحاصلة في حسابات مصرف لبنان. فكيف يمكن التدافع من أجل تحميل الدولة مسؤولية كل الخسائر التي تسبّبت بها إدارة مصرف لبنان بما فيها الهندسات المالية أو معظمها من دون التسليم بكونها متضرّرة من جرّاء أعمال هذه الإدارة؟
وأكثر ما نخشاه هو أن يؤشّر قرار قاضي التحقيق في قضية حساب الاستشارات إلى توجّه نحو إقصاء الدولة عن الاشتراك في التقاضي في مجمل الملفّات المتعلقة بمصرف لبنان وحاكمه السابق.
فيلان في الغرفة: الفساد وتبييض الأموال
بالتدقيق في المواد التي ظنّ بها القاضي حلاوي بالمدعى عليهم سلامة ومحامييْه، وتلك التي ادّعت بها النيابة العامة المالية، ورغم أنّها مواد جنائية، نلحظ أنّ الغائب الأكبر كان الجرائم المتعلّقة بتبييض الأموال، وغياب الوصف القانوني للأفعال المرتكبة بـ”الفساد”، علمًا أنّ الأفعال التي ارتكبها سلامة ورفيقاه وفقًا للقرار، قد تشكّل وصفة نموذجية ومثالًا مكتمل الأركان لجرائم الفساد وتبييض الأموال.
فبالعودة إلى قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الرقم 44 الصادر في العام 2015، نجد أنّ المادة الأولى منه، تُدرج ضمن لائحة الجرائم التي تعتبر الأموال الناجمة عن ارتكابها والاشتراك فيها أموالًا غير مشروعة، جرائم “الفساد بما في ذلك الرشوة وصرف النفوذ والاختلاس واستثمار الوظيفة واساءة استعمال السلطة والإثراء غير المشروع”. واعتبرت المادة 2 من القانون نفسه أنّ تبييض الأموال هو كلّ فعل يقصد منه: إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة أو إعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر، بأي وسيلة كانت، مع العلم بأنّ الأموال موضوع الفعل، غير مشروعة، أو تحويل الأموال أو نقلها، أو استبدالها أو توظيفها لشراء أموال منقولة أو غير منقولة أو للقيام بعمليات مالية بغرض إخفاء أو تمويه مصدرها غير المشروع. وتصل عقوبة هذا الجرم إلى سبع سنوات حبس.
والمثير للانتباه في القرار، أنّ المواد التي ادّعت بها النيابة العامة الماليّة ثمّ ظنّ بها قاضي التحقيق تتناول جرائم الاختلاس والإثراء غير المشروع، وهي جرائم تندرج ضمن جرائم الفساد المحدّدة في المادة 2 من قانون مكافحة تبييض الأموال، وكذلك في المادة الأولى من قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنيّة لـمُكافحة الفساد الصادر رقم 175/2020.
هذا التجاهل لجرم تبييض الأموال، إذا ما استمرّ إلى ختام الدعوى ولم تتداركه الهيئة الاتهامية في بيروت، من شأنه أن يحرم الخزينة من مبالغ مالية بإمكانها تحصيلها في حال ثبوت الجرم. فالمادة الثالثة من قانون مكافحة تبييض الأموال (44/2015) تتيح للقاضي فرض غرامة على المرتكب تصل حتى ضعفي المبلغ موضوع عملية التبييض. كما تنصّ المادة 14 من القانون نفسه على أنّ الأموال المنقولة وغير المنقولة التي يثبت بموجب حكم نهائي أنّها متعلّقة بجريمة تبييض أموال أو محصلة بنتيجتها، تصادر لمصلحة الدولة ما لم يثبت أصحابها، قضائيًا، حقوقهم الشرعية بشأنها.
استبعاد تطبيق القانون الجديد للإثراء غير المشروع
اعتبر القرار الظنّي أنّ التحويلات موضوع الدعوى قد تمّت بين عامي 2015 و2016 أي في ظل سريان قانون الإثراء غير المشروع القديم رقم 154/1999 الواجب التطبيق في الدعوى الراهنة وليس القانون رقم 189/2020 الذي عدّل القانون السابق لجهة توسيع مفهوم الإثراء غير المشروع وتشديد عقوبته وتسهيل إجراءات ملاحقته. وذلك خلافًا لما ذهبت إليه النيابة العامة التي ادّعت على أساس المادتين 10 و14 من قانون الإثراء غير المشروع الجديد.
ويشار هنا إلى أنّ القانون القديم لم يكن يعتبر الإثراء غير المشروع جرمًا مستقلًّا قائمًا بحد ذاته، بل كان حالةً يوصف بها الموظف العمومي أو القائم بخدمة عامّة عند ارتكابه إحدى جرائم الإخلال بالوظيفة العامة (المواد 351 إلى 366 من قانون العقوبات)، ممّا يفرض اتخاذ إجراءات محاكمة وتحقيق خاصة. أما القانون الجديد فقد اعتبر الإثراء غير المشروع جرمًا قائمًا بحد ذاته وهو من نوع الجناية، وهو جرم يتحقق عند ثبوت “كل زيادة كبيرة تحصل في لبنان والخارج بعد تولي الوظيفة العمومية على الذمة المالية لأي موظف عمومي، سواء أكان خاضعاً للتصريح أو غير خاضع له، متى كانت هذه الزيادة لا يمكن تبريرها بصورة معقولة نسبةً لموارده المشروعة. ويعتبر عدم التبرير المذكور عنصرًا من عناصر الجرم.”
وبالتدقيق في حيثيات القرار الظني، نلحظ أنّ قاضي التحقيق اعتبر أنّ جرم الإثراء غير المشروع هو جرم آنيّ، وأنّ النقطة الزمنية التي يجب الانطلاق منها لتحديد القانون واجب التطبيق هي اللحظة التي أجريت فيها عملية الإثراء غير المشروع. إلّا أنّ هذا التعليل يجافي في الواقع فحوى القانون الجديد الذي عرّف جرم الإثراء غير المشروع ليس على أنّه عملية غير مشروعة بل على أنّه وضع معيّن للذمّة المالية للموظف، بمعنى أنّ جرم الإثراء غير المشروع في حال توفّر عناصره (أي الإثراء غير المبرّر) يبقى مستمرًّا أقلّه طوال بقاء الموظف المعني في وظيفته.
وهذا ما كان قرّره قاضي التحقيق بلال حلاوي نفسه الذي كان أشار في قراره الصادر في تاريخ 23/1/2025 إلى أنّ الحالة الجرميّة تنتهي مع خروج المدّعى عليه من الوظيفة أي تاريخ تقاعده، وبالتالي يبدأ احتساب مهلة مرور الزمن من تاريخ التقاعد.
أما في قضية سلامة الراهنة، فلم يعتمد قاضي التحقيق المعيار نفسه (أي تاريخ انتهاء ولاية الحاكم أي 31 تموز 2023)، إنّما اعتمد تاريخ حصول العملية. وهو لو اعتمد المعيار نفسه لوصل إلى تطبيق قانون الإثراء غير المشروع الجديد، طالما أنّ الحالة الجرمية تعدّ مستمرة مع استمرار الوظيفة العامة، ومع انتفاخ الذمة المالية للموظف المعني.
تجدر الإشارة أخيرًا إلى أنّ لاستبعاد تطبيق قانون الإثراء غير المشروع الجديد مفاعيل ليس فقط على تحديد الجرائم التي سيتّهم بها سلامة ومحامياه، إنّما أيضًا على إمكانية تطبيق الأصول الخاصة بالملاحقة الجزائية والمداعاة المدنية التي نصّ عليها قانون 2020، وتلك الواردة في قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والتي توسّع نطاق الإجراءات لتشمل الأشخاص الطبيعيين والمعنونيين المرتبطين بالمرتكب والذين يمكن تحميلهم مسؤوليات جزائية ومدنية، بالإضافة إلى إمكانية تطبيق الأصول المنصوص عليها في قانون استعادة الاموال المتأتية عن جرائم الفساد.
كي لا تُهدر الفرصة
ليس القرار الظنّي في قضية حساب الاستشارات في مصرف لبنان قرارًا نهائيًا. فلا يزال بإمكان الهيئة الاتهامية في بيروت والتي من المنتظر أن تنظر في القضية وتصدر قرارًا اتهاميًا فيها، أن تُصحح سند الاتهام سواء لناحية مواد الاتهام التي لا يُلزم أن تتطابق مع مواد الظنّ في قرار قاضي التحقيق، أو لناحية الوقائع التي بإمكانها استجلاء ما كان منها غامضًا أو ناقصًا من خلال إجراء تحقيق تكميلي.
تبقى مراقبة هذه القضية عن كثب ضرورة ملحّة، ليس فقط نظرًا لخطورة مآلاتها، بل لأنها تُشكّل مساحة اختبار حقيقيّة يمكن من خلالها تقييم أداء مختلف الفاعلين، من المدعى عليهم والمدعين، إلى القضاة والنيابة العامة، وصولًا إلى الإعلام. وتكمن أهميتها في استخلاص الدروس لتجنّب الوقوع مجددًا في المطبّات والعراقيل التي تعترض مسار قضايا مماثلة، والتي لا يزال معظمها عالقًا أو مهملًا، بما في ذلك قضايا أخرى تطال رياض سلامة نفسه، كقضيتيْ شركة “فوري” و”الشقق الباريسية”. ومن الضروري ألّا تتحوّل هذه القضية، وسواها من قضايا الفساد، إلى فرص مهدورة للحفاظ على حقوق الدولة والمجتمع، بل أن تكون مناسبة لتفعيل الأدوات القانونية والقضائية المتاحة للمحاسبة، والتي كثيرًا ما جرى تهميشها، وفي مقدّمتها قوانين مكافحة الفساد، واستعادة الأموال المنهوبة، وملاحقة الإثراء غير المشروع، ومكافحة تبييض الأموال، ورفع السرية المصرفية.