بقلم رياض عيسى
@issariad
رغم أن قانون البلديات اللبناني لا ينصّ على أي كوتا طائفية أو مذهبية، ولم يلحظ المناصفة في تشكيل المجالس البلدية، إلا أن العاصمة بيروت كانت، على مدى عقود، حالة استثنائية يُدار فيها التوازن الطائفي بعُرف سياسي أكثر منه قانون مكتوب.
ففي عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبما امتلكه من تأثير جامع وشعبية عابرة للطوائف، تشكّلت لوائح انتخابية متوازنة تمثّل كل المكونات، وغالبًا ما كانت تُحسم النتيجة بتوافقات مسبقة وبرامج إنمائية عابرة للانقسامات. وكان الحريري يحرص على مناصفة عدد الأعضاء “12 مسلمًا و12 مسيحيًا” من باب الشراكة لا المفروضة بقوة القانون، بل بروح الميثاقية الوطنية.
أما اليوم، وقد غابت تلك المرجعية، يظهر على السطح خلاف سياسي وقانوني حول مطلب إقرار قانون خاص لبلدية بيروت يكرّس المناصفة ويحوّلها من عرف سياسي إلى قاعدة قانونية ملزمة.
” لكن هذه المبادرة تطرح إشكاليات عدة”
أولًا: تناقض صارخ مع الدستور وروح الطائف
الدستور اللبناني، وتحديدًا في وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، دعا صراحة إلى إلغاء الطائفية السياسية، وإنشاء هيئة خاصة لذلك، والسير باتجاه انتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي.
فكيف يمكن القبول بقانون يُكرّس الطائفية في أدنى مستويات الإدارة المحلية (البلديات)، بينما النص الدستوري يطلب التحرر منها في أعلى مؤسسات الحكم (البرلمان)؟
أليس ذلك نسفًا للدستور ومبادئ الإصلاح السياسي والوطني التي أقرّها اللبنانيون؟
ثانيًا: المسّ بالمبدأ الديمقراطي
هل من العدل أن يُفرَض على الناخب البيروتي لوائح مغلقة لا يستطيع أن ينتقي منها من يجد فيهم الكفاءة والخبرة؟ وهل يُمكن لمدينةٍ بهذا التنوع والحيوية أن تُختزل بمعادلة جامدة لا تسمح بتجديد النخب أو محاسبة المقصرين؟
ثالثًا: تهميش المجلس البلدي المُنتخب لصالح المحافظ المُعيَّن
ما الجدوى من إصدار قانون يفرض المناصفة إذا لم تترافق مع إعادة الصلاحيات الحقيقية للمجلس البلدي؟ فاليوم، يُعدّ محافظ بيروت (وهو موظف) صاحب القرار الأقوى، في حين يُحاصَر المجلس البلدي بقيود إدارية ومالية تجعله مشلولًا، حتى لو انتُخب بأوسع تمثيل.
رابعًا: ازدواجية المعايير
إذا كانت بيروت تُعامَل بشكل استثنائي بقانون خاص بسبب تركيبتها السكانية، فلماذا لا تُعمّم هذه الاستثناءات على مدن أخرى تشهد اختلالًا في التمثيل الطائفي؟ مثلًا، هل سيتم اعتماد المناصفة في المدن ذات الغالبية المسيحية حيث الصوت المسلم قد يُهمّش؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فذلك يُكرّس مبدأ الكيل بمكيالين ويضرب وحدة المعايير.
في الخلاصة، بيروت ليست مجرد مدينة، إنها رمز التنوع والانفتاح، ولا يليق بها أن تُحاصَر في قالب طائفي أو توافق فوقي.
إذا كانت النية إصلاحًا، فليكن النقاش على الطاولة بشفافية، وليُعاد النظر في صلاحيات المجلس البلدي، وحقوق الناخبين، ومبدأ الكفاءة والتمثيل الديمقراطي، قبل تثبيت أعراف سياسية على شكل قوانين تُقيّد الناس بدلًا من أن تخدمهم.