بينما يحاول بعض الأبواق التقليل من أهمية خطوة رفع السرية المصرفية بمفعول رجعي لعشر سنوات، يظهر الواقع أن لبنان أمام فرصة حقيقية لكسر منظومة الفساد والإفلات من العقاب. الدكتور حارث سليمان يضع النقاط على الحروف، مفسرًا كيف أن استهداف الحسابات المصرفية للأشخاص المعرضين سياسيًا (PEPs) وحده يكفي لإحداث خرق كبير في جدار المحاسبة.
في منشورٍ له عبر صفحته على “فيسبوك”، كتب الدكتور حارث سليمان مشيراً إلى أن محاولات عديدة ومن مواقع مختلفة تجري للتقليل والاستهزاء بإنجاز قانون رفع السرية المصرفية مع مفعول رجعي لعشر سنوات، معتبراً أن هذه المحاولات تعكس انحياز بعض الأبواق لمصالح جهات لا يهمها أمر الودائع والمودعين، بل تقدم نفسها بوقاحة لتصوير أن إرساء مبدأ المحاسبة والعدالة في لبنان أمر مستحيل. وأكد سليمان أن الحقيقة والتجربة تظهر أن ذلك صعب، لكنه ليس مستحيلاً، مشيراً إلى أن “جذعكم وذعركم وخوفكم وشراستكم الوقحة تفيد في نفس الوقت أن الأمر ممكن ومرجح التنفيذ”.
ولفت الدكتور سليمان إلى أن أصحاب الضمائر والنيات الحسنة يمكنهم أن يطمئنوا إلى أن المسار القانوني يسير في الاتجاه الصحيح، بينما كل مرتكب أو فاسد أو بوق لفاسد عليه أن يخشى ويهلع، موضحاً أن التحقيق لا يحتاج إلى التدقيق في مليون حساب مصرفي لاكتشاف الجرائم التي ارتكبتها أوليغارشيا المصارف ومنظومة الفساد والفشل والارتهان إلى الخارج، بل يكفي التدقيق في حسابات الأشخاص المصنفين ضمن فئة الـPEPs.
وفي هذا السياق، أوضح سليمان أن مصطلح PEP أو “Politically Exposed Person” يُطلق على الأشخاص الذين يشغلون أو سبق أن شغلوا مناصب عامة بارزة، مما يجعلهم عرضة لمخاطر الفساد أو إساءة استخدام السلطة، ويخضعون بالتالي لرقابة مصرفية ومالية مشددة بموجب قوانين مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
وأضاف سليمان بأنه في لبنان، يندرج ضمن تصنيف الـPEP كل من رؤساء الجمهورية السابقين والحاليين، ورؤساء مجلس النواب، ورؤساء الحكومة، والوزراء والنواب الحاليين والسابقين، ورؤساء البلديات الكبرى، إلى جانب القضاة، لا سيما رؤساء مجالس القضاء، المحاكم العليا، والقضاة الماليين، وكبار ضباط الجيش والأجهزة الأمنية، ومديري المؤسسات العامة الكبرى والمجالس والمؤسسات الرقابية كالتفتيش المركزي وديوان المحاسبة ولجنة الرقابة على المصارف. كما يشمل التصنيف أعضاء مجلس إدارة مصرف لبنان وكبار موظفيه، رؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصارف، ورؤساء الأحزاب والتيارات السياسية الكبرى.
وختم سليمان مؤكدًا أن تصنيف الـPEP يمتد أيضاً ليشمل الأقرباء من الدرجة الأولى، كالزوج أو الزوجة، الأولاد، الأشقاء، والوالدين، بالإضافة إلى الشركاء في الأعمال، أي كل شخص تربطه علاقة مالية وثيقة بشخص مصنف كـPEP. ويخضع هؤلاء جميعاً لعناية واجبة مشددة في ما يتعلق بالعمليات المصرفية، بما يهدف إلى الكشف عن أي عمليات تبييض أموال أو تمويل غير مشروع.
في بلدٍ أنهكته منظومات الفساد والارتهان للخارج، تبدو خطوة رفع السرية المصرفية واستهداف حسابات الـPEPs كنافذة أمل حقيقية لإرساء المحاسبة والعدالة. ورغم الصعوبات والعراقيل، فإن الهلع الذي يبديه الفاسدون دليل قاطع على أن الطريق نحو كشف الحقيقة قد بدأ، ولن يكون من السهل وقفه.