معاً لزيتونة لبنان : زرع الأمل وإعادة الحياة للأرض

بقلم كوثر شيا

في قلب التحديات التي يواجهها لبنان، وعلى الرغم من الحرب والدمار الذي لحق بالقطاع الزراعي، تبرز مبادرات بيئية تعكس أعمق معاني الصمود والإصرار على الحياة. أحد هذه المبادرات هو مشروع “معاً لزيتونة لبنان”، الذي أطلقته وزارة الزراعة اللبنانية تحت إشراف معالي الوزير نزار هاني. هذا المشروع هو أكثر من مجرد حملة لزراعة الأشجار، إنه دعوة للإيمان بالحياة، برفض الخضوع للعدوان، وبالتمسك بأرض الوطن.

مع بداية هذا المشروع، أطلقت المجموعة العربية لحماية الطبيعة هذا التحدي الأخضر الكبير بتوزيع مليون شجرة زيتون لكل من لبنان، فلسطين، والأردن، ليصبح الهدف الإجمالي هو ثلاثة ملايين شجرة زيتون في ثلاثة دول عربية.

إحياء التراث الزراعي اللبناني: مليون شجرة في لبنان

لقد كان الزيتون جزءاً لا يتجزأ من هوية لبنان، تاريخها وتراثها، وشجرة الزيتون ليست مجرد مصدر للزيت أو الرزق، بل هي رمز للصمود، للأرض، وللعائلة اللبنانية. في السنوات الأخيرة، تعرضت الأراضي الزراعية اللبنانية لدمار شامل بفعل العدوان الإسرائيلي والحروب المستمرة، حيث احترقت آلاف الأشجار وأُزيلت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، مما أثر بشكل كبير على الزراعة وحياة المزارعين.

ولكن “معاً لزيتونة لبنان” هو أكثر من مجرد محاولة لإعادة زراعة الأرض، إنه إعلان قوي بأن لبنان لن ينهزم، وأن الأرض ستعود من جديد لتكون رمزا للأمل والشجاعة. في المرحلة الأولى من المشروع، سيتم زراعة ٢٠٠٠ شجرة زيتون في بلدة قانا الجنوبية، وهو ما يمثل بداية حقيقية لاستعادة الأراضي الزراعية من خلال أيدي اللبنانيين أنفسهم، حيث ينضم المتطوعون من جميع أنحاء لبنان للمشاركة في هذا العمل الوطني الهام.

دور الشبكة العربية للسيادة على الغذاء: تعزيز الأمن الغذائي

وفي سياق المشروع نفسه، تساهم الشبكة العربية للسيادة على الغذاء في نشر الوعي حول أهمية الاستقلال الغذائي، وتعمل على دعم المشاريع الزراعية التي تعزز قدرة البلدان العربية على مواجهة تحديات الأمن الغذائي. من خلال التعاون بين الدول العربية وتبادل المعرفة والخبرة، يهدف المشروع إلى تحسين قدرة المجتمعات على الاعتماد على إنتاجها المحلي من الزيتون والأشجار المثمرة، مما يعزز السيادة الغذائية في لبنان وفلسطين والأردن.

الشباب اللبناني: أمل الأرض وحماة المستقبل

ما يعكسه “معاً لزيتونة لبنان” هو ليس فقط التعاون بين الدول العربية ولكن أيضاً الفخر الكبير بما يقدمه الشعب اللبناني، وبالأخص الشباب اللبناني، الذين يعدون القوة الحقيقية للمشروع. هؤلاء الشباب الذين يظهرون من خلال مشاركتهم في زراعة الزيتون، إصرارهم على العودة إلى الأرض، ورفضهم لظروف الهدم والدمار، هم نبض الحياة في لبنان. إنهم يزرعون الأرض بكل حب وأمل، ويعيدون بناء ما هدمته الحروب، ويحملون على أكتافهم إرثاً زراعياً لا يمكن المساس به.

ما حدث يوم الجمعة ٢٥ نيسان ٢٠٢٥

في يوم الجمعة ٢٥ نيسان ٢٠٢٥، كان حفل إطلاق المشروع في نقابة المهندسين في بيروت، برعاية معالي وزير الزراعة نزار هاني، حيث تم الإعلان عن بدء المرحلة الأولى للمشروع. جمع الحدث مجموعة كبيرة من المتطوعين والشركاء المحليين والدوليين، الذين عبروا عن دعمهم الكبير للمزارعين اللبنانيين. هذه الخطوة تعد بداية لمرحلة جديدة من العمل المشترك بين مختلف الجهات المعنية بالإنتاج الزراعي في لبنان. حيث كان الحضور يشكل فسيفساء من الأمل والتضامن، من مزارعين ومتطوعين ومؤسسات بيئية تهدف إلى استعادة الأرض.

ما حدث يوم السبت ٢٦ نيسان ٢٠٢٥: البداية من الجنوب

وفي السبت ٢٦ نيسان ٢٠٢٥، توجه المتطوعون والمزارعون إلى بلدة قانا الجنوبية، حيث بدأت أولى خطوات زراعة الأشجار. تم غرس ٢٠٠٠ شجرة زيتون في هذه المنطقة، وسط أجواء من الحماسة والإصرار، لتكون هذه الأشجار بداية لاستعادة الأراضي التي فقدت جزءاً كبيراً من جمالها وحيويتها بسبب العدوان. الشباب اللبناني الذي اختار أن يعود إلى الأرض هو الذي يعيد رسم ملامح الأمل، ويزرع من جديد شجرة الزيتون التي طالما كانت رمزاً للسلام والإصرار.

دعوة للمشاركة في زراعة الزيتون: لبنان الأخضر

في هذا السياق، يوجه مشروع “معاً لزيتونة لبنان” دعوة مفتوحة لجميع اللبنانيين للمشاركة في هذه المبادرة البيئية الوطنية، والتي لا تقتصر على الجنوب فقط بل تشمل جميع مناطق لبنان. ندعوكم جميعاً، من الشمال إلى الجنوب، من الشرق إلى الغرب، للانضمام إلى الحملات التطوعية التي تُنظم لزراعة الزيتون، والمساهمة في استعادة الخضرة إلى الأراضي اللبنانية.

إن كل شجرة زيتون تُزرع اليوم، هي خطوة نحو لبنان أخضر، هو خطوة نحو بناء المستقبل من جديد. من خلال هذه الجهود المشتركة، سنتأكد أننا قادرون على بناء وطن يحمل في داخله الأمل، والحياة، والشجاعة لمواجهة التحديات التي تفرضها الظروف.

هذه دعوة لكل لبناني، مهما كان مكانه، للانضمام إلى هذه المبادرة التي تعكس قلب لبنان النابض بالأمل. كل شجرة زيتون نزرعها معاً هي شهادة على أن لبنان قادر على العودة إلى الحياة، والتحدي هو أمامنا جميعاً. فلنزرع الأرض ونحافظ عليها، لتظل خضراء كما كانت، ونتأكد أننا لن نكون وحدنا في هذا الطريق، بل ستكون الأشجار دليلاً على أن الأرض هي الأم التي تحتضننا جميعاً.

اخترنا لك