كتب يوسف مرتضى
@YoussefMourtad2
بعد انتكاسة حرب الإسناد، يواجه حزب الله أزمة متعددة الأوجه، من الخسارة العسكرية، إلى التسليم بموجبات اتفاق وقف الأعمال القتالية بدءًا من جنوب الليطاني إلى سائر الأراضي اللبنانية، إلى الحصار المالي الناتج عن وقف التهريب عبر المعابر والمرافق الشرعية وغير الشرعية، فضلًا عن لجوء الحزب إلى طرد المئات، إن لم يكن الآلاف، من مقاتليه الذين رفضوا تلبية نداءات القيادة للالتحاق بالقتال في جبهة الجنوب، وما ترتب على ذلك من تأثير على مواردهم وموارد عائلاتهم من رواتب التفرغ والعطاءات التي كانوا يتقاضونها من الحزب.
وفوق كل ذلك، فقد الحزب وبيئته قائده السيد حسن نصرالله، الذي كان قد ارتقى في وجدانهم إلى مرتبة القداسة. ويُضاف إلى ذلك القلق المتزايد داخل البيئة الحاضنة من تأخّر عملية إعادة الإعمار، وعدم توفّر الأموال اللازمة لإنجازها.
هذا الواقع جعل القيادة الجديدة للحزب تستشعر ضعف قبضتها على شارعها، فأصدرت توجيهًا لمحازبيها عند بدء التحضير للانتخابات البلدية، قالت فيه: “اتركوا الخيار للعائلات في هذا الاستحقاق”. لكن يبدو أن القيادات المحلية التي اعتادت فرض إرادتها على الناس لم تستطع، أو لم تستوعب بعد، موجبات ما بعد انتكاسة جبهة الإسناد، فكانت حادثة بريتال مؤشرًا فعليًا على ذلك.
لم يَرُق، على ما يبدو، لمن اعتادوا أن يكونوا الآمرين الناهين في البلدات الشيعية، والذين غلب على وعيهم لعقود شعور فائض القوة، أن يأتي طبيب لبناني شيعي من عائلة بريتالية أساسية، لكنه معارض لنهج حزب الله، ليبادر إلى دعوة علنية لوليمة غداء في منزل ذويه في البلدة. كنتُ من بين المدعوين إليها يوم الجمعة في ٢ أيار ٢٠٢٥، ووجهت الدعوة إلى فعاليات من مختلف الاتجاهات السياسية في البلدة ومحيطها، تكريمًا لرئيس اللائحة التوافقية في بريتال، تلك اللائحة التي كان قد اعترض عليها بعض كوادر حزب الله، وتصدّوا للنائب حسين الحاج حسن على خلفية رعايته لهذا التوافق.
كانت للدكتور هادي مراد مداخلة ترحيبية شدد فيها على أهمية التنوع ضمن الوحدة، بلهجة عائلية أخوية، ركّز فيها على أهمية إنجاز الاستحقاقات الدستورية، وعلى ضرورة تعاون جميع الأفرقاء في إدارة التنوع داخل البلدة في العملية الانتخابية للمجلس البلدي، للإتيان بمجلس من أفضل الكفاءات، يتبنى برنامجًا تنمويًا وثقافيًا واجتماعيًا يرفع من شأن هذه البلدة العريقة، لا سيما بعد الظروف المأساوية التي مر بها لبنان عمومًا، ومناطق البيئة الشيعية خصوصًا، نتيجة استهدافات العدوان الصهيوني الأخير. وساد اللقاء جو من الحوار الهادئ والبنّاء والمفعم بألفة الأهل والأقارب وأبناء البلدة الواحدة.
وعلى الرغم من مشاركة ممثلين عن مختلف الجهات السياسية والاجتماعية في البلدة، فقد كان استهداف منزل الدكتور هادي مراد بالقذائف فجر يوم السبت أمرًا مستنكرًا ومستهجنًا ومستغربًا، وتُطرح حوله العديد من التساؤلات: هل هي اختراقات أم تصدعات في بنية القوى المحلية؟ أم أنه طابور خامس يريد إثارة الفتنة بين أهل البلدة وعائلاتها؟
خيرًا فعل الدكتور هادي بوضع ملف الاعتداء على منزله في عهدة الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية، ودعوته الجميع إلى التزام خيار دولة القانون، باعتبارها المنقذ والحاضن الوحيد لجميع مكونات المجتمع اللبناني، وفي مقدمتهم المكوّن الشيعي، ولا سيما في منطقة بعلبك – الهرمل التي عانت من الفوضى الأمنية لعقود، وأصبحت بأمسّ الحاجة إلى استعادة عافيتها وأمنها واستقرارها وازدهارها.
وعلى أمل أن تكون هذه الحادثة درسًا وصدمة تدفع إلى تغليب الوعي والحكمة واحترام الرأي المختلف، في مواجهة ثقافة الانغلاق على الذات، والعصبيات الحزبية والعقائدية.