بقلم كوثر شيا
في زحمة العولمة وهيمنة السوق التجاري على غذائنا وزراعتنا، تبرز مبادرات شبابية تنبض بالأصالة وتحمل رؤية مستدامة لمستقبل أكثر توازنًا. ومن بين هذه المبادرات الواعدة، تتألق “غرسة خير” كحركة ثقافية واجتماعية تعيد إلينا قيمة ما كنا نظنه بديهيًا: البذور الوطنية، التراثية، الطبيعية، التي تحفظ صحة الإنسان والأرض في مواجهة التهجين الصناعي والتبعية الزراعية.
لماذا البذور الوطنية؟
ليست البذور التراثية مجرد أدوات زراعية، بل هي امتداد لهوية الأرض، وذاكرة الأجداد، وروح الغذاء الحقيقي. عبر منشوراتها التوعوية، تسلط “غرسة خير” الضوء على الأسباب الجوهرية لاختيار هذه البذور:
• جودة لا تضاهى: تتميز بنكهتها الأصيلة والغنية التي لا توفرها البذور المهجنة، التي تقدم كمية بلا روح.
• غذاء أغنى صحيًا: تحتوي على نسب أعلى من مضادات الأكسدة والمعادن الأساسية (كالحديد والزنك)، كما في الطماطم والقمح القديم.
• إنتاج طبيعي دون تدخلات كيميائية: لا حاجة للمبيدات أو المحفزات الصناعية.
• توفير اقتصادي طويل الأمد: يمكن إعادة زراعتها سنويًا دون الحاجة للشراء المتكرر.
• حماية التنوع البيولوجي: تحافظ على ثراء الأرض وتمنع تآكل الأصناف الزراعية المتعددة.
كما جاء في أحد منشوراتهم:
“بذورنا الوطنية بتعطي إنتاج طبيعي، بدون إضافات صناعية!”
البذور المهجنة: الكلفة الخفية للصحة والاقتصاد
في المقابل، تحذر “غرسة خير” من الاعتماد المتزايد على البذور المهجنة، لما تسببه من أضرار تتعدى المزارع لتصل إلى جسد الإنسان نفسه:
• ضعف القيمة الغذائية: نتيجة التكرار الجيني والإنتاج الصناعي.
• اعتماد دائم على المبيدات والمحفزات: ما يلوث التربة ويُضعف مناعة النباتات.
• تكلفة زراعية مرتفعة: بسبب الحاجة السنوية لشراء البذور والمواد الكيميائية.
• تهديد للسيادة الغذائية: تضع المزارع تحت رحمة الشركات العالمية وتُفقده حريته الزراعية.
كما تقول رسالتهم بوضوح:
“المهجنة بتربطك بمصروف سنوي… والبذور الوطنية بتحررك!”
مقاومة الأمراض: حكمة الطبيعة لا كيماويات الصناعة
تؤكد “غرسة خير” على تفوق البذور الوطنية في مقاومة الأمراض والآفات الزراعية، بفضل تكيفها الطبيعي مع بيئتها المحلية عبر الأجيال. بالمقابل، تكون البذور المهجنة أكثر هشاشة، وتحتاج إلى تدخلات كيميائية كثيفة.
“بذورنا الوطنية أقوى ضد الأمراض الطبيعية… المهجنة بنحنا أدوية ودعم”
هذا التوجه لا يهدف فقط إلى حماية المحاصيل، بل إلى حماية الإنسان من السموم المتراكمة في غذائه.
رسالة “غرسة خير”: حرية لا ربط بالسوق
من أبرز شعارات “غرسة خير”:
“مع البذور الوطنية، أنت حر… مع المهجنة، أنت مربوط بالسوق!”
تختصر هذه العبارة فلسفة المبادرة الرافضة لتحويل الزراعة إلى سلعة بيد الشركات، والداعية إلى استعادة سيادة الغذاء، وحرية المزارع في إنتاج ما يناسبه، دون قيود مالية أو جينية.
كما جاء في أحد منشوراتهم:
“بدنا نترك لولادنا ذرية تحافظ على هويتنا… مش ذرية تبيعنا للسوق”
الحداثة تلتقي بالعراقة: شباب يوصلون حكمة الأجداد
ما يجعل “غرسة خير” فريدة من نوعها هو قدرتها على الجمع بين تقاليد الزراعة القديمة وروح العصر. فهي:
• تعتمد على خبرات الأجداد في اختيار البذور وزراعتها.
• تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتوسيع وعي الجمهور.
• تُشرك الشباب في ورشات وتجارب تعليمية حية.
هذا التزاوج بين الماضي والحاضر يصنع مستقبلًا متجذرًا وواعدًا.
صحة الإنسان جزء لا يتجزأ من صحة الأرض
تربط المبادرة بين صحة التربة، تنوع المحاصيل، ومناعة الإنسان، وتؤكد أن فقدان التنوع الزراعي يُضعف قدرتنا الجماعية على مقاومة الأزمات الغذائية والصحية. الزراعة المهجنة تُنتج أنظمة غذائية هشة، بينما تضمن البذور الوطنية الاستقرار والوفرة.
كما جاء في منشوراتهم:
“المهجنة بتقتل التنوع… وبتضعف المناعة الجماعية”
كيف يمكنك دعم “غرسة خير”؟
• ازرع البذور الوطنية: في مزرعتك، أو حتى في حديقة المنزل.
• اختر الأطعمة المحلية: وادعم الأسواق التي تروج للبذور التقليدية.
• انشر الوعي: شارك رسائلهم ومنشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
• تعرف أكثر على جهودهم.
فلنغرس بذور الاستقلال من جديد
“غرسة خير” ليست مجرد مبادرة زراعية، بل هي نداءٌ للعودة إلى الجذور، والاحتفاء بما هو محلي، حر، وأصيل. إنها حركة تقاوم التهجين الصناعي بالتجذّر في الأرض، وتردّ على العولمة الزراعية بالسيادة الغذائية.
في عالم يتهافت على الإنتاج السريع والربح، تذكّرنا هذه المبادرة أن الغذاء الحقيقي يبدأ من بذرة حرة… فكن جزءًا من هذا الحلم، واغرس اليوم ما سيحصد غدًا جيلٌ أكثر صحةً وكرامة.
“مع البذور الوطنية، أنت حر… مع المهجنة، أنت مربوط بالسوق!”
“غرسة خير”: لصحة الإنسان، وكرامة الأرض، واستقلال الزراعة.