بقلم مروان الأمين
@m_elamine
شهدت مؤخراً الساحة اللبنانية تطوراً خطيراً مع عودة إنذارات الإخلاء التي أطلقها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أعقبتها غارة استهدفت منشأة تابعة لـ “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت. هذا التصعيد الميداني ترافق مع مواقف صارمة من القيادة الإسرائيلية، إذ أكد رئيس الحكومة ووزير الدفاع أن تل أبيب لن تتهاون في التعامل مع أي نشاط عسكري لـ “الحزب” على كامل الأراضي اللبنانية.
كان قد سبق وتلا هذا التصعيد الميداني والسياسي الإسرائيلي، تصعيد مماثل من جانب “حزب الله” والسفير الإيراني في بيروت، لجهة التمسك بالسلاح وتهديد بقطع الأيدي وبعظائم الأمور.
أحدثت عملية السابع من أكتوبر 2023 تحوّلاً جذرياً في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، حيث انتقلت تل أبيب من مبدأ “احتواء المخاطر الأمنية”، إلى عقيدة جديدة أكثر هجومية عنوانها “تصفير المخاطر الأمنية” بغض النظر عن طبيعة التهديد وحجمه.
لا شك أن الحرب الأخيرة أصابت المنظومة العسكرية لـ “حزب الله” بمقتلة، ودفعت بالأخير إلى إذعان غير مسبوق إزاء شروط إسرائيلية لطالما رفضها قبل اندلاع الحرب، والمتمثلة بفصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، والانسحاب إلى شمال الليطاني.
لكن ما كان مطلباً إسرائيلياً قبل الحرب، لم يعد يفي بالغرض بعدها. فقد تبدّل سقف الأهداف الإسرائيلية، ولم تعد تقبل بأقل من نزع سلاح “حزب الله” بالكامل، وعدم السماح بوجود أي قوة عسكرية غير شرعية على حدود إسرائيل الشمالية. وهذا ما تعمل تل أبيب على تحقيقه من خلال التصعيد الميداني، والاستمرار في استهداف البنية القيادية واللوجستية لـ “الحزب”، في ظل تهديد دائم بالذهاب إلى حرب شاملة إذا ما استمرت المراوحة السياسية اللبنانية في معالجة هذا الملف.
في المقابل، إن السلطة السياسية اللبنانية التي تشكّلت بمواكبة عربية ودولية، أصبحت عنواناً لدخول لبنان في مرحلة جديدة تقوم على ركيزتين أساسيتين: حصر السلاح بيد الشرعية، والانطلاق في مسار إصلاحي شامل. للمرة الأولى منذ عقود، يخسر “حزب الله” غطاء السلطة الشرعية لسلاحه، عبر تبلور خطاب رسمي وسياسي على ضرورة احتكار الدولة للسلاح، كما يتضح من خطاب القسم والبيان الوزاري ومواقف الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام. هذا التوجه يُعد بمثابة إعادة تعريف للشرعية السياسية، التي لطالما استند إليها “حزب الله” لتبرير امتلاكه للسلاح، الأمر الذي يجعله “عارياً من الشرعية” لأول مرة منذ عقود.
في ظل المتغيرات السياسية والميدانية المتسارعة، تبرز محاولات داخل أروقة السلطة اللبنانية لإيجاد مخرج “سلس” لمسألة سلاح “حزب الله”، عبر حوار مباشر بين رئيس الجمهورية وقيادة “الحزب”. غير أن هذا المسار، الذي يُفترض أن يوفّر انتقالاً هادئاً نحو حصرية السلاح بيد الدولة، يصطدم بموقف حازم ورافض من “الحزب”، الذي لا يُبدي استعداداً للقيام بخطوات جديّة حول ملف يعدّه جوهرياً في استراتيجيته.
علماً أن رهان السلطة على “السلاسة” يواجه أيضاً تحدّيات كبيرة أخرى أهمها: التصعيد الميداني الإسرائيلي، وعدم تحديد موعد لجولة جديدة للمفاوضات الأميركيّة – الإيرانية، ما يشي بأن مسارها يواجه تعثّراً جدياً.
إن “سلاسة” المقاربة الرئاسية في سباق محموم مع الأحداث، ورغم تأكيد الرئيس عون أن “قرار احتكار الدولة للسلاح قد اتُخذ ولا عودة عنه”، إلا أن تصلّب “حزب الله” يُسهم في تقويض المقاربة الرئاسية لصالح الأحداث المتسارعة، ما قد يهدد بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار قبل وصول المبادرة الداخلية إلى خواتيم إيجابية.