بقلم عقل العويط
المقاولة بالدول كالمقاولة بالأجساد أو الأرواح؛ مضاجعةٌ (اغتصاب) ديكتاتوريّةٌ واحدة ذات رسالةٍ واحدة. وخالدة.
ثمّة في هذه وتلك وهاتيك، مقاولٌ أكبر واحد، و”أخٌ أكبر” واحد، وشهريار أكبر واحد، هو الخراب الأعمّ الواحد.
الحكاية أنّ شهرزاد خلبتْ لبّ شهريار بتخريفاتها التي كانت تقصّها عليه، إلى أنْ حملتْ منه، فامتنع عن قتلها بعد مجامعتها، فانتصرتْ بذلك على شهوة الانتقام والثأر والقتل التي تملّكت قلب الملك المطعون في ذكورته وسلطته، على ما تقول الخرافة.
هذا في الحكاية، أمّا في الواقع الملموس فلم يُعرَف عن “شهريار العالم المعاصر” أنّ دولة (امرأة) تجرّأتْ فخانته أو طعنته في “فحولته”. فاللحم الأمميّ البضّ لطالما كان ملك ذكوريّته، ولطالما كان يقايض بالمال والسلبطة والبلطجة ما تشتهيه شهوته والرغبة والتملّك. بل عُرِف عنه الابتزاز والتحرّش والاغتصاب والاستيلاء، فما اكتفى بـ”شهرزاده”، بل وضع يده (هو ومحظيّته) على كلّ حلالٍ وحرام، وكلّ بلادٍ وشهرزاد.
منذ ما قبل ولايته الأولى، وصولًا إلى المئة الأيّام من ولايته الثانية، لا تَغوُّلُهُ كَلَّ، لا جوعه شبع، ولا غليله ارتوى.
ابتزازُهُ الجامحُ فالتٌ من عقاله، بوصلتُهُ البزنس والقبض والربح، غير نافعٍ فيه تخريفٌ، ولا تعقّل، فلا يروّضه سائسٌ أو مروِّض، لا تذكيرًا ولا تأنيثًا. وها هو بعد مئة يومٍ من اختلائه الثاني بالسلطة الكونيّة العظمى، ومضاجعته لها، بفظاظة الشعبويّة المفحشة وليس بالرضا، يضع دول (نساء) الكوكب أمام خيارين أحلاهما مرّ، متخطّيًا قواعد العلاقات والسلوكات والمعقوليّات والواقعيّات السحريّة والعبثيّات والعدميّات، وليس في صباح اليوم التالي ما يبشّر وينبئ بأنه سيرعوي ويكفّ ويكتفي، وإنْ بعد ألف اغتصابٍ واغتصاب.
لو أُعطيَ للبيروفيّ الراحل ماريو فارغاس يوسا، صاحب “حفلة التيس”، أنْ يكتب رواية العصر غير المسبوقة، لما كان في مستطاعه أنْ يخترع مقاولًا مغتصبًا من عياره، يكون هو الفحل بلا منازع، بمونولوغٍ هذيانيٍّ، أو سوى ذلك من فنون الرواية داخل الرواية، والهلوسة المخلوطة بالواقع، والبارانويا الممزوجة بتخرّصات العقل، ممسرحًا نهاية العالم، ومستولدًا القيامة الآن، كما لم تُمسرَح أو تُروَ أو تؤفلَم أو تُستولَد من قبل.
فلا “المدينة والكلاب” ولا “البيت الأخضر” ولا “حوار في الكاتدرائيّة” ولا “حرب نهاية العالم”، ولا خوارق الكولومبيّ ماركيز، والمكسيكيّ فوينتس، والأرجنتينيّين بورخيس وكورتازار، مجتمعةً، في مقدورها أنْ تنتج مثل هذا الشهريار الأخرق.
“الأخ الأكبر” بطل رواية “1984” لجورج أورويل، هو نفسه شهريارنا الكونيّ. كلاهما مقاولٌ (مغتصبٌ)، مستبدٌّ، وقاتل.
لو لم يكن حكّام الشمال والجنوب جميعهم هذا المقاول، هذا الشهريار، وجميعهم هذا “الأخ الأكبر”، وكلٌّ بطريقته وبأسلوبه، لما كان العالم “ارتقى” إلى ما نحن فيه من خراب.
مئة يوم ويوم من المقاولة الفحوليّة العظاميّة، هي مئة ليلة اغتصاب، وليلة.
الغطرسة تستبدّ بالعالم، وصولًا إلى الغولاغ الروسيّ، وتنّين جنوب شرق آسيا.
شهريار هو مليكنا ومُضاجِع دولنا و”أخونا الأكبر”. لن نحتفل ولن نتهلّل به.