بقلم د. علي خليفة
من المظاهر البارزة للسقوط البنيوي داخل “حزب الله”، تنامي الاختلافات غير المسبوقة ضمن القيادة الحالية المتشكّلة على أنقاض مقتلة حرب الإسناد وانكفاء النفوذ الإيراني عن لبنان. فيبرز حزبٌ داخل “حزب الله” يميل إلى التهدئة السياسية، مقابل “حزب الله” آخر أكثر ارتباطاً بالحرس الثوري الإيراني الذي يدفع باتجاه التمسك بالسلاح. بالإضافة طبعاً إلى “حزب الله” وفيق صفا، متعهد الأعمال الوسخة على رأس فيلق “الموستيكات”. ومن أحزاب الله أيضاً “حزب الله” الجيل الثاني من الذين قاتلوا في سوريا ويعتبرون اليوم أن التورط الإقليمي أضرّ بـ “الحزب”.
و”حزب الله” الجيل الجديد ينفكّ تدريجيًا عن العناصر التي قامت عليها دولة “حزب الله” وهي مجتمع الدم ومدرسة التعبئة واقتصاد العقوبات والنمط الموجه في الثقافة. لم تعد مفاهيم مثل “الشهادة” و”المحور” تلقى الصدى نفسه بين من وُلدوا بعد 2006، بل أصبحت تُقابل بأسئلة ناقدة: لماذا نقاتل؟ ومن أجل من؟ وماذا جنينا؟ وظهرت تسجيلات لأبناء هذا الجيل تحديداً يناقشون بسقف عالٍ الأمين العام المنصرم لـ “حزب الله” حسن نصرالله على خيار دخول الحرب وجدواها.
القيادة التاريخية المتبقية لـ “الحزب” التي كانت موحدة حول “المقاومة”، تواجه اليوم تساؤلات داخلية ترقى إلى مستوى التصدعات البنيوية. و”حزب الله” أصبح بنتيجتها أحزاب الله.
كان “الحزب” منذ بداية الألفية يحكم مناطق نفوذه بنظام ضبط داخلي صارم: الأمن المضاد، اللجان الشعبية، القضاء الحزبي. لكن في الآونة الأخيرة، تزايدت الشكاوى من تفشي الفساد داخل هذه الأجهزة نفسها وظهرت حوادث عنف داخلي. إذ لم يكن مألوفاً مثلاً إطلاق نار بين أبناء عائلات محسوبة على “الحزب”، أو تهجم على كوادر حزبية من قبل سكان غاضبين.
هذا التآكل في البنية التنظيمية نتيجة الهزيمة العسكرية واضمحلال الموارد المالية، انعكس على صورة “الحزب” أيضاً والقدرة على الردع الاجتماعي. ممّا ساهم في توسيع الفجوة بين “الحزب” وشارعه.
حركة أمل بدورها، أصبحت حركات، نتيجة تخثّر قيادتها وأطرها التنظيمية: بين منشقين وحرس قديم ومناطق نفوذ ومحميات زبائنية وشخصية.
قسم كبير من أجيال الشيعة اليوم في خانة العزوف: لا انتماء ولا مشاركة. يجدون أنفسهم أمام بقايا تنظيمين لا يمثلان طموحاتهم. النتيجة هي انسحاب صامت من المجال العام أو الانشغال بالهجرة أو بالعمل. هذه الدينامية ستؤدّي إلى تغيّر في الهوية السياسية للطائفة الشيعية، وقد تحفّز نشوء وتعزيز التيارات الليبرالية في المشهد السياسي الشيعي خارج مظلّة أحزاب الله وحركات أمل.