الدروز… بين وصمة التعصب واستراتيجيّات البقاء

بقلم ماهر أبو شقرا

ثمّة صورة نمطية راسخة ومنتشرة تقول أن الدروز متعصّبون ومنغلقون، إنّما ليس هذا جوهر المسألة. فذلك الذي يسمّى تعصباً إنما هو في واقع الأمر شكل من أشكال الاستراتيجيات المتوارثة من اجل البقاء، ذاك الهاجس المتأصّل في الوجدان الجمعي الدرزي. ليس الدروز طائفةً بل إثنيةً. أن تكون درزياً يعني أن تولد درزياً – لا خيار في المسألة، ولا مجال لأن “تصير” درزياً. عبر القرون، صاغ الدروز نظاماً اجتماعياً راسخاً، هو في الحقيقة استراتيجيّة بقاء. منظومة من العادات والتقاليد والتعابير والمسلك الثقافي والاجتماعي والسياسي، والتخالط شبه المقصور على الداخل الدرزي. تلك الاستراتيجية جعلت من الدروز كتلة إثنية متماسكة.

قد يشعر سنّة لبنان والمشرق أن لديهم مدى حيوياً دينياً في العالم العربي والإسلامي الواسع. وقد يشعر شيعة لبنان أنّ لهم امتداداً يصل إلى العراق وإيران. وقد يشعر موارنة وكاثوليك لبنان والمشرق أنّهم مرتبطون ثقافياً وسياسياً بالغرب. وقد يشعر أورثوذكسيو لبنان والمشرق أنّهم متّصلون بروسيا واليونان وأوروبا الشرقيّة. أمّا الدروز فليس لهم سوى البلد الذي يعيشون فيه. إن ذاك الشعور المزمن بالعزلة القسرية فرض عليهم سياسات الضرورة بما يضمن البقاء. وقد لا يشاركهم هذا الواقع في المشرق سوى باقي الأقلّيات الإثنية أو الإثنو-دينيّة مثل الأكراد والعلويين، يجمعهم شعور بوحدة الحال أمام مصير محفوف بالمخاطر.

ثمّ يأتي السؤال الكبير: ماذا جَنَت الطوائف من رهاناتها على “حامٍ خارجي”؟ الجواب واضح: لا شيء حتماً. كما لن ينفع الدروز أيّ رهانٍ على الخارج، خصوصاً على إسرائيل التي لا تريد خيراً لأحد، فكيف لدروز لبنان والمشرق؟ إنّ الأمم الكبرى لا تفهم إلا لغة مصالحها، ومصالح الفريق الذي يحكمها، حتى وإن لوّح حكّامها بشعارات التضامن الديني. وبينما تتبع الدول الخارجية مصالحها العابرة، تبقى مصلحتنا نحن، أبناء وبنات المجتمع اللبناني، بالصمود والبقاء والتقدّم والنموّ معاً. ويبقى لبنان الضمانة الوحيدة لكلّ الجماعات الطائفية التي تعيش فيه. ولكلّ هذا، يُشكّل لبنان جنةً للدروز.

فليس الدروز في لبنان أقلّية، لأن كلّ الجماعات الطائفيّة في لبنان أقلّيات ملزمة على العيش معاً، في بلد يكفل التنوّع ويحمي التعدّدية. هذه المفارقة هي التي كرّست لبنان ملاذاً للأقليات عبر التاريخ. ولبنان قادر على الاستمرار في لعب هذا الدور، إنّما هناك شرط كبير لهذا: تأسيس نظامٍ سياسي قادر على إدارة التنوّع، تنظيم التعدّدية، وقطع الطريق على النزاعات الطائفيّة. فالنظام الحالي لم يصنع في لبنان دولةً، بل كياناً هجيناً، يديره ائتلاف زعماء الجماعات الطائفية. لبنان يحتاج إلى أن يتحوّل إلى جمهورية لامركزيّة في إدارتها، علمانية محايدة تجاه جميع الديانات في عقيدتها، واجتماعية في سياستها، تضع رفاهية المجتمع في صدارة أولوياتها. جمهورية تمسكها دولة قويّة قادرة على إدارة التنوّع، وصون وحدة المجتمع، وحفظ الكرامة الإنسانية للجميع.

اخترنا لك