بيروت ليست غنيمة… لنُنشئ بلدية تُحاسِب وتُبنى بالقانون
من الشعارات إلى السياسات : خارطة طريق لبيروت تُشبهنا
بقلم كوثر شيا
في قلب العاصمة اللبنانية، حيث تتقاطع التحديات بين الفساد المزمن، غياب التخطيط، وتدهور الخدمات، تقف بلدية بيروت كنموذج صارخ لفشل الإدارة المحلية في تلبية تطلعات المواطنين. هذا الفشل لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمات من المحاصصة الطائفية، غياب الشفافية، وتفشي الزبائنية التي أفرغت العمل البلدي من مضمونه التنموي.
مع اقتراب الانتخابات البلدية، تبرز الحاجة الملحّة إلى إعادة تعريف دور البلدية كمؤسسة خادمة للمواطن، لا أداة بيد القوى السياسية. إن تشخيص الواقع الراهن يكشف عن ثغرات هيكلية تتطلب حلولًا جذرية، تبدأ بتفعيل القوانين القائمة، مرورًا بإصلاحات هيكلية، وصولًا إلى إشراك المجتمع المدني في صنع القرار.
في هذا السياق، يُطرح السؤال الجوهري: كيف يمكن تحويل بلدية بيروت من رمز للفشل إلى نموذج للحوكمة الرشيدة؟ الإجابة تكمن في رؤية شاملة تُعيد الاعتبار لمفهوم الخدمة العامة، وتُعزز من دور المواطن كشريك في صنع القرار، بعيدًا عن الاصطفافات الطائفية والمصالح الضيقة.
إن هذه اللحظة التاريخية تفرض علينا جميعًا، كمواطنين وناشطين، أن نكون جزءًا من عملية التغيير، من خلال دعم المبادرات الإصلاحية، والمشاركة الفاعلة في الانتخابات، وممارسة الرقابة المستمرة على أداء المجالس البلدية. فبيروت تستحق أن تكون مدينة تُدار بشفافية، وتُخطط لمستقبلها بعقلانية، وتُحقق العدالة الاجتماعية لكل أبنائها.
أولًا: تشخيص الواقع – لماذا فشلت بلدية بيروت؟
1. الفساد الهيكلي:
• مجلس بلدي يُدار بالمحاصصة الطائفية، تُهدر فيه الموازنات على صفقات وهمية (كعقود النظافة الخيالية).
• الحل: تفعيل قانون حق الوصول إلى المعلومات (28/2017) لكشف المناقصات والعقود ومحاسبة المسؤولين.
2. غياب التخطيط الاستراتيجي:
• غياب أي رؤية عمرانية منذ 1997، مما أدى إلى عشوائية عمرانية وازدحام خانق.
• الحل: إعداد مخطط توجيهي جديد وتنفيذه بموجب القانون 646/2024 لمحاسبة المخالفات والجهات المتقاعسة.
3. تدهور الخدمات العامة:
• ضعف في البنى التحتية، من إنارة الطرقات إلى شبكة الصرف الصحي.
• الحل: اعتماد عقود أداء ذكية (Performance Contracts) مع القطاع الخاص تضمن نتائج فعلية مقابل دفعات مشروطة.
ثانيًا: ملامح بلدية بيروت الجديدة – من الوعد إلى الإنجاز
1. الحوكمة الرشيدة والشفافية الكاملة:
• اعتماد نظام إلكتروني للمشتريات العامة (E-Procurement) لكشف الصفقات المشبوهة.
• تعيين مدقق مالي دولي وهيئة رقابة مستقلة داخل البلدية، لتطبيق قانون الإثراء غير المشروع.
2. خدمات عادلة وفعالة للجميع:
• إطلاق نقل عام كهربائي ذكي يربط بين الأحياء والمراكز الحيوية.
• تطبيق نظام نفايات مُفرزة من المصدر مع غرامات قانونية (بموجب قانون 80/2018)، وإنشاء مصنع تدوير بالشراكة مع المجتمع المدني.
3. عدالة اجتماعية وسكن ميسّر:
• فرض ضريبة تصاعدية على الشقق الفارغة لتمويل صندوق سكن اجتماعي.
• تخصيص 30% من مشاريع البلدية لفرص عمل موجهة للشباب، خاصة في القطاعات الرقمية والبيئية.
4. أمن بلدي وبيئة حضرية مستدامة:
• تأسيس فرق مراقبة بلدية بصلاحيات تنفيذية لإزالة التعديات، وتنظيم استخدام المساحات العامة.
• نشر أجهزة إنذار مبكر للحرائق وتدريب متطوعين بيئيين لحماية المساحات الخضراء.
ثالثًا: كيف نغيّر الواقع؟ – آليات الانتصار
1. تحالف مدني موحّد:
• تأسيس ائتلاف بيروت الموحّدة: يجمع النقابات، الجمعيات، المستقلين، والخبراء حول برنامج واضح وشفاف، بعيد عن التبعيات الحزبية والطائفية.
2. مواجهة التعيينات السياسية بالقانون:
• استخدام القانون 220/2000 للطعن في أي تعيين بلدي مبني على المحسوبية لا على الكفاءة.
3. رقابة شعبية رقمية:
• إطلاق منصة “بيروت تراقب” (Beirut Watch): أداة رقمية تتيح للناس الإبلاغ بالوثائق والصور عن التجاوزات، وتُفعّل الرقابة التشاركية اليومية.
كلّنا، يعني كلّنا… خارج سلطة الأحزاب، ومن أجل بلدية تُشبه الناس
السنوات الماضية كشفت الحقيقة: المحاصصة، الزبائنية، والتبعية السياسية أوصلتنا إلى بلدية مشلولة، غائبة، ومقطوعة عن الناس. واليوم، أمامنا فرصة لنقلب المعادلة.
شو يعني “لائحة موحّدة”؟
• لائحة موحّدة: تحالف انتخابي مستقلّ، يجمع مهنيين وناشطين ومواطنين من مختلف الخلفيات، متفقين على برنامج موحّد وخطة عمل واضحة، بعيدًا عن الزعامات والولاءات الطائفية.
• البديل الحقيقي عن اللوائح التي تُكتب في الغرف المغلقة وتُفرض على الناس دون مساءلة.
شو الفرق بين الناشط “reactive” والناشط “preactive”؟
• الناشط reactive: يتحرّك بعد الكارثة – مظاهرة بعد انفجار، غضب بعد أزمة.
• الناشط preactive: يخطّط من الآن، يشارك، يُصوّت، يراقب، يترشح، يبني.
نحتاج ثورة من الناشطين preactive – ناس تعرف إن صوتها أداة بناء، مش فقط صرخة غضب.
شو يعني “كلّنا يعني كلّنا” فعليًا؟
• خارج كل الأحزاب والوجوه اللي شاركت بالحكم من أي طائفة أو محور.
• خارج التحالفات الانتهازية اللي بتجمع المتناقضين فقط للفوز.
• خارج منظومة المال السياسي، والإعلام المسخّر، والوعود الوهمية.
كيف نغيّر فعليًا؟ خطوات التغيير واضحة:
1. نتنظّم على أساس مشروع، مش على اسم زعيم.
منرشّح ناس عندها كفاءة، رؤية، وتجربة حقيقية بخدمة المجتمع.
2. ننتخب لائحة موحّدة، مستقلّة، وبرنامجها واضح.
ما نسمح للخوف أو الشائعات أو شراء الأصوات يسكت ضميرنا.
3. نراقب، ونُحاسب بعد الانتخابات.
كل مشروع، كل عقد، كل قرار لازم يكون مكشوف وعلني. وهون دورنا كناخبين “preactive” ما بيخلص بالتصويت.
4. نربط البلدية بالناس، مش بالزعامات.
عبر لقاءات شهرية، تطبيقات تفاعلية، ولجان أحياء حقيقية تمثل كل منطقة وصوت.
الانتخابات على الأبواب… والفرصة تاريخية
البلدية مش بس خدمات، هي سلطة، هي قرار يومي، هي بيت الناس.
لنخرج من دور الضحية، وندخل دور الشريك.
صوتنا مش بس اعتراض. صوتنا بلدية جديدة، مدينة جديدة، مستقبل جديد.
بيروت إلنا… إذا تحررنا من الخوف، وتحرّكنا كجسم واحد
بيروت إلنا… إذا تركنا الولاءات الضيقة، وتمسّكنا بمصلحة الناس
بيروت إلنا… إذا صوّتنا، راقبنا، واشتغلنا سوا كل يوم، مش بس يوم الانتخابات
هيك منربح مش بس مقاعد… منربح كرامة، عدالة، وأمل.
بيروت مش للبيع. بيروت مش للمحاصصة. بيروت مش لصفقة.
بيروت… إلنا كلّنا.