بقلم كوثر شيا
صرّحت قناة LBCI في تقريرٍ مميز أن ملف تشريع القنّب الهندي يعود اليوم بقوة إلى الواجهة، بعد سنوات من التجميد، وسط تحوّلات سياسية واقتصادية متسارعة وضغط شعبي متنامٍ لإيجاد حلول اقتصادية واقعية…
بعد سنوات من التجميد، يعود ملف تشريع القنّب الهندي (الحشيشة) إلى طاولة البحث في لبنان، وسط أزمات اقتصادية خانقة وتبدّلات سياسية دقيقة. رئيس الحكومة القاضي نواف سلام يعيد طرح الملف الذي أُقفل منذ عام 2020، حين أقرّ مجلس النواب زراعة القنّب الهندي لأغراض طبية وصناعية، لكن القانون بقي معلّقًا بسبب غياب المراسيم التطبيقية وتعطّل تشكيل الهيئة الناظمة.
تحفّظ حزب الله… أكثر من ذريعة تنظيمية؟
عام 2020، أبدى “حزب الله” معارضته لهذا القانون، معتبرًا أن المشروع يفتقر إلى جدوى اقتصادية حقيقية وأن الأطر التنظيمية المقترحة غير واضحة أو غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع. ورأى الحزب في حينها أن المضي في التشريع قد يفتح الباب أمام استغلال غير منضبط من قبل الشباب اللبناني، في ظل غياب الرقابة المؤسساتية الجدية.
غير أن قراءات متعددة ترى في موقف الحزب ما يتجاوز الهواجس التنظيمية، وتشير إلى احتمال وجود اعتبارات أعمق ترتبط بالتوازنات الاجتماعية والاقتصادية في مناطق نفوذه. إذ أن تنظيم هذا القطاع قد يساهم في تخفيف اعتماد المجتمعات المحلية على قوى الأمر الواقع، ويفتح الباب أمام استقلال اقتصادي أوسع وأقل ارتباطًا بالبُنى الحزبية التقليدية.
الهيئة الناظمة: حجر الأساس المعلّق
القانون الصادر عام 2020 نصّ على إنشاء هيئة ناظمة تتولى تنظيم كامل القطاع، من منح التراخيص إلى مراقبة الإنتاج والتسويق ونوعية المنتجات. تتألف هذه الهيئة من سبعة أعضاء: خمسة ممثلين عن وزارات الزراعة، الصناعة، العدل، الصحة (رئيس دائرة المخدرات)، والداخلية (رئيس مكتب مكافحة المخدرات)، بالإضافة إلى خبيرين مستقلين يتم اختيارهما وفق آلية شفافة، على أن يكون لديهما خبرة فعلية في زراعة القنّب وتصنيعه وأبحاثه.
لكن حتى اللحظة، لم يتم تشكيل هذه الهيئة، ولم تُصدر الحكومة المراسيم التطبيقية، ما أدى إلى تجميد القانون وتحويله إلى حبر على ورق.
فرصة اقتصادية ضائعة؟
بحسب وزير الزراعة نزار هاني، فإن تنظيم قطاع القنّب الهندي بشكل صحيح يمكن أن يدرّ على الدولة بين مليار وثلاثة مليارات دولار سنويًا، أي ما يعادل بين ربع ونصف إجمالي الإيرادات الحكومية المقدّرة لعام 2024. وهو رقم لا يُستهان به في ظل الانهيار المالي، تراجع المساعدات، وانعدام الاستثمارات الأجنبية.
وبدلًا من البحث عن ضرائب ورسوم جديدة تُثقل كاهل المواطن، يمكن للدولة أن تستثمر في هذا القطاع المشروع والقابل للنمو السريع، ليكون مصدر دخل أساسي ودائم.
بين الأمل والمماطلة: هل آن أوان التنفيذ؟
اليوم، ومع عودة النقاش إلى الساحة السياسية، تبدو الدولة أمام مفترق طرق: إما تسريع تنفيذ القانون وتشكيل الهيئة الناظمة، أو استمرار المماطلة تحت ذرائع مختلفة، ما يُبقي لبنان محرومًا من فرصة استثمار قانوني وواعد في أحد أكثر القطاعات ربحًا في العالم.
تشريع القنّب لم يعد خيارًا، بل ضرورة اقتصادية واجتماعية وأمنية. ففي ظل غياب البدائل الإنتاجية، يتحول هذا الملف إلى فرصة إنقاذ حقيقية للمزارعين، الصناعيين، والعلماء، كما للدولة اللبنانية التي تبحث عن كل دولار لإعادة ترميم بنيتها المالية والخدماتية.
دعوة إلى التحرك الشعبي والمؤسساتي
إن تحريك هذا الملف يتطلب إرادة سياسية واضحة، لكنه يحتاج أيضًا إلى ضغط شعبي منظم من المزارعين، النقابات، الهيئات البيئية، والأكاديميين. المطلوب اليوم ليس مجرد إعادة طرح الملف، بل السير الفعلي في تنفيذه وفق المعايير العلمية، القانونية، والشفافة.
الكرة في ملعب الحكومة ومجلس الوزراء: هل يبادرون إلى إصدار المراسيم وتشكيل الهيئة الناظمة، أم يبقى هذا الملف رهينة التجاذبات والمحاصصات؟
بالطبع، إليك خاتمة أقوى وأكثر تأثيرًا، تضيف بعدًا تحفيزيًا ورؤية استراتيجية للمستقبل:
القنّب ليس ترفًا بل شريان حياة
في بلد يئن تحت وطأة الانهيار، وتُحاصر فيه الناس بالضرائب والفقر والتهميش، لم يعد النقاش حول تشريع القنّب الهندي ترفًا سياسيًا أو ملفًا مؤجّلًا. إنه اليوم شريان حياة، وفرصة واقعية لإعادة ضخ الأوكسيجين في جسد اقتصادي يحتضر.
تشريع هذا القطاع بشكل مدروس ومنضبط لا يُخرج المزارعين من دائرة التهميش فقط، بل يُدخل لبنان إلى عصر صناعي جديد يواكب التطور العلمي والتكنولوجي في العالم، ويمنح الدولة مصدر دخل مشروع وشفاف.
الكرة لم تعد في ملعب أي طرف بمفرده، بل في ملعب كل مسؤول وصاحب قرار وكل مواطن يعي أن الخلاص لا يكون بالتقاعس أو الخوف من التغيير، بل بخطوات جريئة تُبنى على العلم والعدالة والمصلحة الوطنية.
القنّب الهندي ليس خطرًا يجب منعه، بل فرصة يجب تنظيمها.
فهل نملك الجرأة لنستثمر في ما لدينا، بدلًا من انتظار ما لن يأتي؟