بقلم مكرم رباح
يتعلّم طلاب كليات الحقوق في سنتهم الأولى أن المرء لا يستطيع المطالبة بدَين ناتج عن لعبة مَيسر، أو أن يطالب بالتعويض عن بدل نقل شحنة من الممنوعات، لأن هذا الحق يسقط تلقائياً باعتبار النشاط في أصله غير مشروع، بل يُجَرّم بموجب قانون العقوبات اللبناني.
هذا الاجتهاد القانوني الواضح ينطبق حرفياً على “حزب الله”، ومن يناصر خَطه السياسي ومغامراته الانتحارية التي لم تُفضِ سوى إلى تدمير الحَيّز الجغرافي والمذهبي الذي يسيطر عليه، وتهجير مئات آلاف اللبنانيين الشيعة من قراهم ومنازلهم. بل الأخبث من ذلك، تحويلهم إلى أمة من المنبوذين في عالم تخطّاهم طوفان الأقصى وشياطينه.
حمل السلاح في إطار مشروع الحرس الثوري الإيراني لا يختلف عن لعب المَيسر، لكن هذه المقامرة تُسَدّد بدم الأبرياء لا بالنقود. ومن يطالب بدينٍ من هذا النوع، ويفشل في تحصيله، لا يختلف عن المواطن الذي يخرق القانون ثم يصرخ عالياً: “وين الدولة؟”
ثقافة “وين الدولة؟” متجذّرة في المجتمع اللبناني، حيث يُنظر إلى الدولة كأنها ضامن شامل، حتى لنتائج الأعمال غير المشروعة. المواطن الذي يبني منزله على ضفة نهر ثم يشتكي من الطوفان، أو ذاك الذي يحوّل منزله إلى مستودع صواريخ في حيّ مكتظ، ثم يطالب الدولة بالتعويض بعد تدميره، هما وجهان لعملة واحدة.
ومن خلال متابعة خطاب “حزب الله”، أو ما تبقى من تنظيمه، يُلحظ تصاعد في هذه الذهنية. فأنصار “الحزب” يرون أن الدولة، بعد الحرب الأخيرة وتوقيع القرار 1701 المعدّل، فشلت في حمايتهم، بل يتهمون حكومة نواف سلام بالتواطؤ مع الإسرائيلي، وحرمانهم من أموال إعادة الإعمار… التي لا وجود لها أساساً.
الأخطر هو حملة “حزب الله” الإعلامية لتشويه صورة الجيش اللبناني، وتصويره على أنه جيش عاجز عن حماية الحدود. هذا الهِجاء يصدر عن مجموعة دُمّرت بالكامل في الحرب الأخيرة، وليس بسبب تفوّق العدو، بل نتيجة فساد وانشغال قيادتها، وتحوّلها إلى ميليشيات تَمتهِن القتل والابتزاز، داخل سوريا ولبنان.
والحقيقة أن الحكومة اللبنانية لم تُهَجّر أحداً من منزله. من جَلَب الاحتلال والدمار هو مَن وَعَدَ “أشرف الناس” بالحماية والكرامة ثم خَذَلهم، وهو نفسه من يصرخ اليوم: “وين الدولة؟”.
إن إصرار الأمين العام لـ “حزب الله” على أن سلاحه الإيراني مُستَثنى من القرار 1701 هو إهانة لذكريات مَن فقدوا أبناءهم ومنازلهم وكرامتهم. أما تصريح رئيس الجمهورية جوزاف عون عن أن الحوار مع “الحزب” حول موضوع السلاح، فلا يعدو كونه مجاملة دبلوماسية، ولا يمكن أن يُضفي على سلاحٍ تابع للحرس الثوري الإيراني أي شرعية وطنية.
من هنا، يستطيع الشيخ نعيم قاسم، أو أي من أنصاره، أن يهزأوا من الدولة وينتقدوا غيابها. لكن في الواقع، من يُقامر بدماء الأبرياء لا يملك الحق الأخلاقي أو القانوني بالصراخ “وين الدولة؟”.
الدولة ليست مسؤولة عن نتائج مغامرات مسلّحين لا يؤمنون بها. ولا يحق لمن دمرها أن يطالبها اليوم بتعويضات…
ومن يُصرّ على تجاهل هذه الحقيقة القانونية والأخلاقية، فليستمع على الأقل إلى أغنية الفنان اللبناني راغب علامة، ذاك الذي “خُوّن” لمجرد أنه تجرأ على قول الحقيقة:
“لا تلعب بالنار بتحرق أصابيعك
واللي بيشتريك بيرجع ببيعك”
وفي النهاية، فإن هذا الصوت قد يكون أصدق من كل المظلومية المصطنعة لنعيم قاسم وجوقته من الأشرار.