بقلم مروان الأمين
بات من الواضح أن المجتمعَين العربي والدولي يشترطان على لبنان الالتزام بمسألتين أساسيتين: حصر السلاح بيد الدولة، والشروع في تنفيذ إصلاحات بنيوية طال انتظارها.
على الصعيد التشريعي، يبدو أن مسار الإصلاح بدأ يتحرك من خلال إقرار عدد من القوانين، فيما تخضع مشاريع قوانين أخرى للنقاش داخل اللجان النيابية تمهيداً لإحالتها إلى الهيئة العامة لمجلس النواب. كما أن هناك مجموعة من القوانين المرتقبة لا تزال تنتظر موافقة الحكومة قبل أن تسلك المسار التشريعي.
وفي الإطار ذاته، اكتسبت الزيارات التي قام بها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى بعض الإدارات الرسمية – التي لطالما وُصفت ببؤر للفساد والمحسوبيات – دلالة إيجابيّة بالنسبة للمواطن في ظل ما يُعرف عن الرئيس عون من سجلٍ خالٍ من شبهات الفساد، بخلاف زيارات مماثلة اتسمت بالشعبوية قام بها الرئيس الأسبق إميل لحود.
إلّا أن غياب أي إحالات قضائية بحق متورطين في ملفات فساد، بعد مرور أربعة أشهر على انطلاق العهد، بدأ يطرح علامة استفهام حول جدوى هذه الزيارات الرئاسية، ويستحضر ما حلّ مع قوانين إصلاحية كثيرة كانت قد أقرّت في السابق كان مصيرها في الأدراج.
يشكّل تأكيد الرئيس عون المتكرّر على أن قرار حصر السلاح بيد الدولة قد اتُخذ، مؤشراً إيجابياً يعكس التزاماً مبدئياً باستعادة الدولة سيادتها الكاملة. إلا أن هذا الموقف، رغم أهميته السياسية، لا يزال يفتقر إلى الترجمة العملية على الأرض، باستثناء ما يتيحه “حزب الله”، لا سيما جنوب نهر الليطاني.
ويُقرأ هذا الواقع على أنه استمرار لالتزام السلطة السياسية بالسقف الذي يرسمه “حزب الله” في ما يتعلق بسلاحه، ما يضع الدولة في موقع المتفرج بين رفض “الحزب” تسليم مستودعاته العسكرية، خصوصاً في المناطق الواقعة شمال الليطاني، والغارات الإسرائيلية المتكررة التي تستهدف هذه المواقع.
وأيضاً، أثار تصريح الرئيس عون، الذي ميّز فيه بين السلاح الثقيل والمتوسط من جهة، والسلاح الخفيف من جهة أخرى، وقلّل من أهمية الأخير، مخاوف جدّية لدى الرأي العام. فالجميع، بمن فيهم الرئيس نفسه، يدرك أن السلاح الثقيل والمتوسط يندرج استخدامه حصراً في سياق المواجهة مع إسرائيل، وهي فرضية باتت مستبعدة منذ انتهاء الحرب الأخيرة.
في المقابل، يشكّل السلاح الخفيف، الذي تم التقليل من شأنه، مصدر القلق الأكبر لدى اللبنانيين، نظراً إلى دوره المحوري في الداخل. فهذا النوع من السلاح يُستخدم في فرض السيطرة الأمنية على الطائفة الشيعية، كما سبق استخدامه في محطات مختلفة في الداخل، أبرزها أحداث السابع من أيار 2008 وعمليات الاغتيال لتكريس نفوذه السياسي.
وعليه، فإن اللبنانيين يرون في مصادرة السلاح الخفيف وتفكيك البنية الأمنية لـ “حزب الله” أولوية بقدر ما يطالبون بنزع السلاح الثقيل والمتوسط وتفكيك بنيته العسكرية. إن السلاح الخفيف لا يزال الأداة الأشد فعالية في ترسيخ النفوذ الداخلي، في حين بات السلاح الثقيل أشبه بـ”خردة” غير ذات جدوى.
بينما خيّم الأمل على المواطنين في بداية العهد، إلّا أن هذا الأمل بدأ يتراجع تدريجياً مع استمرار الغموض والتأخير في ترجمة الوعود إلى واقع ملموس. الناس تطالب بالمحاسبة والعقاب، وبالتالي رؤية فاسدين خلف القضبان، كما يريدون هيبة الدولة وحدها لا شريك لها على كامل الأراضي اللبنانية.