بقلم ميراز الجندي – كاتب ومحلل سياسي
من 17 أيار إلى القرار 1701+… بين فرصة ضائعة وأخرى لا يجب أن تضيع… ففي 17 أيار 1983، وُقّع ما سُمّي بـ”اتفاق 17 أيار” بين لبنان وإسرائيل، برعاية أميركية، في محاولة لإخراج لبنان من دوامة الحرب والاحتلال. الاتفاق سقط، لا لأنه لم يكن قابلًا للتعديل، بل لأن الإرادة الوطنية كانت ممزقة، والمشهد الإقليمي خاضع لوصايات متعددة، من النظام السوري البائد إلى منظمة التحرير الفلسطينية.
وبعد أكثر من عقدين، في عام 2006، صدر القرار 1701 عن مجلس الأمن، عقب حرب تموز، داعيًا إلى وقف الأعمال العدائية، وبسط سلطة الدولة في الجنوب، ونشر الجيش اللبناني مدعومًا بقوات اليونيفيل. إلا أن هذا القرار، رغم كونه مظلة دولية لحماية لبنان، بقي حبرًا على ورق، بسبب ممارسات حزب ال،له وتغطيته الإقليمية من إيران.
القرار 1701… ثم 1701+
من 2006 حتى 2025، مارَس حزب الله دورًا سلبيًا مستمرًا في تقويض سيادة الدولة، مستخدمًا القرار 1701 كستار للمناورة، وليس كأداة سلام. انتهك الحزب القرار مرارًا، عبر تعزيز ترسانته العسكرية، ومنع الجيش اللبناني من أداء مهامه في مناطق نفوذه، وتحويل الجنوب إلى ساحة اشتباك مستمرّ بالوكالة عن إيران.
لم يكن قرار 1701 كافيًا، فجاءت الحاجة اليوم إلى 1701+ أي نسخة أكثر صرامة وتطبيقًا فعليًا، خصوصًا بعد التطورات الميدانية الأخيرة في حرب 2025 التي شهدت مقتل عدد كبير من قيادات الحزب، وانكشاف وهم “سلاح المقاومة” الذي قيل إنه لحماية لبنان، فإذا به يجرّ البلاد إلى الدمار مرة أخرى.
من يقاوم من؟ ومن يحمي من؟
في ظل التغيّرات الجيوسياسية، سقطت الذرائع التي استخدمها حزب الله لتبرير سلاحه. لم يعد بالإمكان إقناع اللبنانيين أن السلاح غير الشرعي هو الضامن الوحيد لأمنهم، في وقت انهارت مؤسسات الدولة، وتهجّر مئات الآلاف من الشباب، وتآكل الاقتصاد، والسبب المباشر هو الارتهان لمحور خارجي لا يُجيد سوى إشعال الجبهات.
منذ 2006، لم تكن إيران مجرد داعم سياسي لحزب الله، بل تحوّلت إلى شريك مباشر في القرار اللبناني، عبر هيكل أمني – سياسي مزدوج، دمّر الحياة السياسية، وشلّ الحكومات، وأدخل لبنان في عزلة عربية ودولية.
الســـلام لا التطبيع… ومشروع وطني لا تبعية..
السلام الذي ننادي به لا يعني التطبيع المذل، بل استعادة السيادة الوطنية من دون وصايات. إنه سـلام:
– يُبنى على وحدة القرار السياسي.
– يستند إلى حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني.
– يُعيد الاعتبار للدستور، والطائف، والدولة كمؤسسة.
– سلام وفق للاجماع العربي في قمة بيروت 2002.
أما “التطبيع القسري” الذي يروّج له البعض معارض للحزب او مؤيد، فهو التعايش مع واقع الميليشيات كأمر واقع، وهذا ما أوصل البلاد إلى الانهيار الشامل.
نحو بديل وطني حقيقي
لقد أثبتت العقود الماضية أن لا السلاح خارج الدولة يحمي لبنان، ولا الارتهان لمحاور إقليمية يحرره. الاتفاقات التي تُجهض من الداخل، كما في 17 أيار، أو تُعطَّل من الخارج، كما في القرار 1701، لا يمكن أن تكون قاعدة لبناء وطن.
اليوم، وبعد الحرب المدمّرة في 2025، لم يعد أمام اللبنانيين سوى خيار واحد: السلام العادل الشامل، لا تطبيعًا هشًّا، بل اتفاقًا وطنيًا جديدًا، يكون بديلاً شجاعًا وناضجًا عن اتفاقات الماضي، تُقرّه الدولة ويحتضنه الشعب، ويكون محوره:
– حماية لبنان من الحروب العبثية.
– إعادة إعمار ما دمّره النزاع.
– إعادة لبنان إلى دوره العربي والدولي.
– تكريس الدولة كمرجعية وحيدة للقرار والسيادة.
لبنان بحاجة إلى اتفاق جديد… لا اتفاق مكتوب فقط، بل إرادة وطنية صلبة تُنتج السلام، وتحميه، وتُترجمه إعمارًا ونهوضًا لا خضوعًا وتبعية.
لقد آن أوان الإجماع اللبناني على مشروع إنقاذ حقيقي، عنوانه: لبنان وبس ..وسلامٌ لا سـلاح.