#أشرف_صفي_الدين : صور لا تحتاج معجزة، بل إلى إرادة، وعقل جماعي يعلو فوق المصالح الضيّقة

مدينة صور على مفترق التحوّل

#مدينة_صور على مفترق التحوّل

خاص بوابة بيروت

في زمنٍ تتسارع فيه التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، تبرز الانتخابات البلدية لا كاستحقاقٍ دستوري عابر، بل كفرصة حقيقية لإعادة الاعتبار لدور المجالس المحلية بوصفها المرايا الحقيقية لحاجات الناس، والمفاتيح الجوهرية لأي مشروع تنموي.

فالبلدية لم تَعُد مؤسسة تُعنى بالإضاءة وتعبيد الطرق فحسب، بل باتت صمّام أمان اجتماعي، وخط الدفاع الأول في وجه العشوائية والإهمال، والمدخل الطبيعي لبناء تنمية مستدامة تُلامس تطلعات المواطنين.

في هذا السياق، التقت “بوابة بيروت” بالأستاذ أشرف صفي الدين، ابن مدينة صور وأحد الوجوه البارزة في العملين البلدي والإنمائي، والذي قدّم رؤية شاملة للمرحلة المقبلة، مستندًا إلى تجربة ومعرفة عميقة بنبض المدينة وتفاصيلها.

صور… المدينة التي لا تُشبه سواها

بكلمات مشبعة بالانتماء، استهل صفي الدين حديثه قائلاً : “صور ليست مدينة عادية… إنها رسالة حضارية نابضة بالتاريخ، تتطلب إدارة ترتقي إلى مستواها، وتحفظ تراثها وتطلعاتها معًا”. وأضاف : “نحن على مشارف مرحلة مفصلية، إذ تفصلنا أيام عن انتخاب مجلس بلدي جديد، نأمل أن يضمّ وجوهًا شابة وكفوءة، تتمتع بالحيوية والصدق في مقاربة التحديات المتراكمة منذ سنوات”.

وأكد صفي الدين ثقته بأن هذا الاستحقاق سيمرّ بأجواء تنافس ديمقراطي راقٍ، تكون فيه مصلحة المدينة العليا هي البوصلة الوحيدة، بعيدًا عن الاصطفافات الضيّقة، قائلاً : “نُبارك سلفًا لكل من سيتحمّل هذه المسؤولية الجسيمة، فصور تستحق الأفضل”.

رؤية عملية لنهضة متكاملة

من موقعه كخبير في الشأنين القانوني والبلدي، طرح صفي الدين حزمة من المبادرات الهادفة إلى استنهاض واقع المدينة. في قلب هذه الرؤية، تأتي فكرة تحويل صور إلى نموذج يُحتذى به في التنمية المحلية المتوازنة، وذلك عبر دمج البعد الاقتصادي بالبعد البيئي والثقافي والاجتماعي.

فهو يدعو إلى إنعاش الذاكرة الجماعية للمدينة من خلال إقامة نصب تذكاري يُخلّد أسماء الشهداء في “ساحة العلم”، مقرونًا بيوم وطني سنوي يُطلق عليه “يوم شهداء صور”، لتظل التضحيات حاضرة في الوجدان الجماعي. كما يؤكّد ضرورة تحويل “بيت المدينة – قصر آل المملوك” إلى مركز ثقافي وتنموي، وافتتاح مكتبة توثّق ذاكرة صور، تحفظ المخطوطات والوثائق والصور، وتُتاح للباحثين والأهالي.

في الجانب الاقتصادي والسياحي، يشدّد صفي الدين على ضرورة إعادة تفعيل ميناء الصيادين، وتحسين البنية التحتية المحيطة به، بما يُعيد الحياة إلى قطاعٍ حيوي لطالما كان ركيزة من ركائز هوية المدينة. كذلك يقترح إطلاق دليل سياحي متجدّد يُبرز المعالم الثقافية والتاريخية، وتأسيس وحدة مرشدين سياحيين من خريجي أقسام الآثار في الجامعات، ليكونوا واجهة حضارية محترفة أمام الزوّار والوفود.

أما بيئيًا، فيرى أن صور تحتاج إلى خطة متكاملة لإدارة النفايات الصلبة تبدأ من الفرز من المصدر، مرورًا بإعادة تأهيل معمل الفرز، وصولًا إلى منع الحرق العشوائي، إلى جانب تعزيز الشرطة البيئية وفرض غرامات صارمة على المخالفين، ضمن رؤية واضحة المعالم تحترم الإنسان والمكان.

وفي ما يخصّ البنية التحتية، يطالب صفي الدين بحلّ جذري لأزمة الصرف الصحي وتفعيل مشروع تكرير المياه الآسنة المجمَّد منذ أكثر من عقد، إلى جانب تنظيم الأملاك العامة والأرصفة بما يؤمّن إيرادات للبلدية ويوفّر مساحة حضارية للمشاة والمواطنين. كما يقترح تحسين مداخل المدينة، وخصوصًا المدخل الشمالي، عبر تنظيم اللافتات الإعلانية والبصرية بما يليق بصورة صور.

وعلى المستوى المجتمعي، يلفت صفي الدين إلى أهمية إعادة إحياء مضمار صور الأولمبي في الحديقة العامة وفق المواصفات الدولية، ليعود إلى المدينة حضورها الرياضي، داعيًا إلى تنظيم عمل عربات بيع القهوة والفانات ضمن إطار قانوني منظّم، دون اللجوء إلى الإزالة أو القمع، بل من خلال الاحتواء والتقنين.

بين السياسة والمجتمع، خطاب شفاف ومسؤول

وفي سياق متصل، شدّد صفي الدين على أهمية الانخراط في نقاشات بلدية جريئة وشفافة حول ملفات حساسة، مثل إقامة مدفن جديد، وتعديل النطاق العقاري، وغيرها من المسائل التي تحتاج إلى نضج سياسي وتنسيق وثيق مع المجتمع المدني والمرجعيات المعنية، مع الالتزام بمبدأ الشفافية عبر نشر “نشرة بلدية إلكترونية” تضع الناس في صلب الحدث البلدي، وتُبقيهم على اطّلاع دائم بسير العمل والإنجازات والتحديات.

كما دعا إلى إزالة كل الرايات الحزبية من الشوارع، والإبقاء فقط على العلم اللبناني كرمز وطني جامع، يوحّد تحت رايته جميع أبناء المدينة، مهما تنوّعت انتماءاتهم.

صور تستحق النهوض… ومجلس بلدي بحجمها

وفي ختام اللقاء، أطلق صفي الدين نداءً من القلب : “صور لا تحتاج معجزة… بل تحتاج إلى إرادة، وعقل جماعي يعلو فوق المصالح الضيّقة. كل مشروع حقيقي يبدأ من مجلس بلدي نزيه، فعّال، مرتبط بأبناء المدينة لا بأجندات خارجها. فصور، بتاريخها وثقلها، تستحق أن تكون في طليعة المدن، لا في هامشها”.

إن ما طرحه الأستاذ أشرف صفي الدين ليس مجرد أفكار نظرية، بل رؤية متكاملة تُحاكي الواقع وتطمح لتغييره، وتؤكّد أن الأمل لا يزال ممكنًا، وأن التغيير يبدأ بخطوة، وبمجلس بلدي يؤمن بأن المسؤولية ليست موقعًا، بل رسالة.

فهل يلتقط القادمون إلى المجلس البلدي الجديد هذه الإشارة؟ وهل تفتح صور أبوابها على مرحلة جديدة من النهوض والتجدد؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.

اخترنا لك