بقلم بلال مهدي – خاص بوابة بيروت
في قلب الجنوب اللبناني، حيث تشرق الشمس على بحر صور العريق، وحيث يشهد التاريخ على نهوض المدن وسقوط الاحتلالات، طُبخت مؤامرة سياسية في الغرف المغلقة، سُلبت فيها مدينة صور حقها في تقرير مصيرها البلدي، عبر ضمّ منطقة لا تنتمي إليها إلى كيانها الانتخابي.
إنها مؤامرة خفية، ظاهرها “تنظيم انتخابي”، وباطنها تلاعب صارخ بإرادة الناس، ومصادرة لصوت المدينة الحر.
فما الذي يربط بلدة “الشبريحا” بمدينة صور؟
الشبريحا، وبحسب الخرائط الرسمية، بلدة قائمة بحد ذاتها، تقع ضمن نطاق بلدية العباسية، التي تُقدّم لها الخدمات وتستوفي منها الرسوم. ومع ذلك، تُدرج انتخابيًا ضمن مدينة صور، رغم أنها لا تنتمي إداريًا إليها، ولا تستفيد من خدماتها، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد العدالة الانتخابية. ووفقًا لقانون البلديات، فإن دمج منطقة غير تابعة إداريًا يُعد تجاوزًا واضحًا للقانون.
تضمّ بلدة الشبريحا أكثر من ألفي نسمة، ويبلغ عدد ناخبيها في مدينة صور ما يزيد عن ألف ناخب. ومع ذلك، لا يتم التعامل معهم كمكوّنٍ له حقوقه الكاملة، بل يُستخدمون، عامًا بعد عام، كورقة ضغط انتخابية تهدف إلى تكريس هيمنة “الثنائي الشيعي” على القرار البلدي، في مشهدٍ يتكرر ويُقصي أبناء صور الحقيقيين عن مقاعد التمثيل البلدي.
وقد بلغ هذا التلاعب ذروته هذا العام، في مشهدٍ مستفزّ وغير مسبوق، حين أقدم “الثنائي الشيعي” على ترشيح أحد أبناء بلدة الشبريحا لعضوية مجلس بلدية مدينة صور، ضمن لائحة الثنائي وهو “صادق عون”، في تحدٍ صارخٍ لإرادة أبناء المدينة، وتجاوز واضح للقوانين والمعايير التي تُنظّم التمثيل البلدي.
هذا القرار السياسي فُهِم على نطاق واسع كخطوة لإحكام السيطرة على القرار البلدي، عبر فرض مرشحين لا ينتمون إداريًا ولا مجتمعيًا لمدينة صور.
وقد جاءت ردّة الفعل الشعبية مباشرةً، حيث عبّر “شباب مدينة صور” عن رفضهم لهذا الترشيح بنشر صورة المرشح مرفقة بعبارة: “مرشح الشبريحا لا يمثلنا” في إشارة واضحة إلى حجم الاعتراض على هذه الممارسة التي تُفرّغ البلديات من مضمونها الإنمائي لصالح الحسابات الفئوية الضيقة.
إن هذا الترشيح لا يشكّل فقط انتهاكًا للعدالة التمثيلية، بل يُكرّس مسارًا خطيرًا في تهميش أبناء المدينة الحقيقيين، لحساب توازنات سياسية لا علاقة لها بمصالح الناس ولا بمستقبل المدينة.
ويُذكر في هذا السياق أن قائمقام صور كان قد رفض سابقًا ترشح أحد أبناء بلدة الشبريحا “المستقلين”، مستندًا إلى القوانين المرعية آنذاك، ومؤكدًا أن “لا يحق لهم الترشح بل يحق لهم الانتخاب فقط”، باعتبارهم غير مسجلين إداريًا ضمن نطاق مدينة صور.
فكيف يُمنع الترشح باسم القانون حين يكون المرشح مستقلاً، ويُجيز الأمر نفسه حين يكون محسوبًا على لائحة حزبية؟
أليس هذا ازدواجًا فاضحًا في المعايير؟ أم أن القانون يُفصَّل على مقاس الولاءات، لا على أساس العدالة والحقوق؟
إنّ هذا الواقع المجحف لا يمكن تبريره، لا إداريًا ولا سياسيًا. فأهالي الشبريحا ينتخبون مختارًا خاصًا بهم، مستقلًا عن مدينة صور، ما يؤكد وجود كيان اجتماعي – سكاني متميّز له امتداد جغرافي معروف. وبالتالي، فإنّ المسار الطبيعي والمنصف هو إنشاء بلدية خاصة بهم، كما حصل مع بلدات مماثلة مستحدثة في المنطقة.
لماذا لا تُنشأ بلدية للشبريحا؟ ولماذا يُصرّ البعض على إبقاء أكثر من ألف ناخب في خانة “العدد” الانتخابي دون منحهم حقّهم الطبيعي في إدارة شؤونهم المحلية؟ ولماذا تُستخدم أصواتهم كأداة في معركة السيطرة على بلدية صور، دون أي التزام جاد بقضاياهم أو تحسين ظروفهم المعيشية؟
إنّ هذا النمط من التوظيف السياسي لأبناء الشبريحا لا يخدم لا المدينة ولا البلدة. بل يُكرّس مزيدًا من التمييز والتهميش، ويضرب جوهر العمل البلدي القائم على العدالة التمثيلية والمشاركة الفعلية في القرار المحلي.
إنّنا نطالب بوضوح، أن تُنشأ بلدية مستقلة للشبريحا، تُعيد لأهلها كرامتهم التمثيلية، وتُمكّنهم من إدارة شؤونهم المحلية بفعالية وعدالة، بدل أن يُبقوا أسرى حسابات انتخابية تخدم هيمنة فئة وتلغي حقّ الشراكة الحقيقية في المدينة.
هذه ليست مسألة إدارية، إنها سياسية بامتياز
إن ضمّ هذه الكتلة الناخبة إلى المدينة هو جزء من مشروع ممنهج لتكريس سيطرة اللوائح الحزبية على القرار البلدي، على حساب أهل المدينة ونُخَبها. هي محاولة لتذويب المدينة في بحر من الولاءات التي لا تنتمي لها، ولا تُعبّر عن نبضها وهمومها.
كيف يُعقل أن يُقصى ابن حيّ الرمل أو الآثار أو الحارة القديمة، في حين يُقرّر مصير المدينة من يعيش خارجها؟
كيف يُفصّل القرار البلدي على قياس سلطة تريد تدجين المدينة، وسلبها دورها الريادي والوطني؟
السكوت لم يعد جائزًا
هذه المؤامرة تمرّر منذ سنوات، تحت عباءة “الإجراءات الإدارية”، فيما يعلم الجميع أن الهدف الحقيقي هو كسر إرادة المدينة وتحييدها عن قرارها. المطلوب هو إخضاع صور، لا تنظيمها. المطلوب هو إقصاء كفاءاتها، لا تمثيلها.
صور مدينةٌ لا تُختزل في التبعية. قرارها لا يُؤخذ من خارجها، ولا يُفرض عليها من خارج حدودها الإدارية.
ونؤكد أن هذا ليس اعتراضًا على أهل الشبريحا الكرام، بل على مبدأ التلاعب بالحدود الانتخابية واستخدام كتلة ناخبة لا تعيش في المدينة للهيمنة على قرارها.
نطالب بفصل لوائح الشبريحا عن مدينة صور في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وندعو إلى مراجعة عاجلة من قبل وزارة الداخلية لإصلاح هذا الخلل القانوني والإداري الخطير.