طرابلس تواجه “العنف الأسري” بالوعي والمناصرة

بقلم زائدة الكنج الدندشي

لا يزال العنف الأسري واقعاً مؤلماً تعيشه النساء والفتيات في طرابلس، وسط تحديات قانونية واجتماعية، في وقت تحاول الجمعيات المختصة تقديم الدعم وزيادة الوعي لمواجهته.

تصف مديرة منظمة “أنتِ الحياة Women Alive”، غنوة شندر واقع العنف الأسري في طرابلس وتقول: “العنف موجود ضد النساء والفتيات، ولا يمكننا الجزم بتزايده أو عدمه… ولكن حالات التبليغ التي تصل إلى مراكز الجمعيات المختصة في ازدياد، إما لارتفاع مستوى العنف حقيقة ضد النساء، أو بسبب ارتفاع مستوى الوعي لدى النساء بضرورة أن يتوجهن إلى الجمعيات المختصة ويطلبن الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني. لذلك تمتلك الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة مراكز لخدمة “إدارة الحالة”، حيث يتم استقبال الناجيات من العنف وتوفير الدعم لهن، أما منظمة “أنتِ حياة Women Alive”، فتركز أكثر على المناصرة القانونية والاجتماعية لدعم وتمكين النساء والفتيات من خلال جلسات التوعية والدعم النفسي الاجتماعي ودورات بناء القدرات”.

بالنسبة إلى القانون 293/2014 الذي ينص على حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف وكونه فعالًا في طرابلس، تقول شندر: “لم يأخذ هذا القانون حقه خصوصاً في طرابلس، فبعض الجمعيات تسعى إلى طلب قرار حماية للنساء وتساعد أحياناً في حمايتهن، وبعض القرارات تصدر عن قضاة تضمن حماية النساء ولكنها موقتة. كما أننا نلاحظ عدم وجود وعي كاف في المجتمع حول هذا القانون، وكجمعيات نحاول توعية المستفيدات لدينا وشركائنا حول ماهية هذا القانون. لكن على صعيد لبنان وطرابلس بشكل خاص لا تتمتع النساء بالوعي الكافي حوله لضمان حقوقهن، وبعض النساء يخفن من الذهاب إلى المخفر لتقديم إخبار عن حالات العنف التي يتعرضن لها، وخصوصاً من الجنسية السورية، إذ من الممكن أن يتعرضن لتهديد وضغط ليسكتن ولا يبلغن”.

الآثار النفسية والاجتماعية على المرأة المعنفة كثيرة، وبحسب شندر، “ثمة آثار نفسية عليها وعلى أطفالها، خصوصاً إذا كانت موجودة في محيط غير داعم يبدأ من الأسرة. هذه الآثار النفسية قد تترجم إلى انعزال، وخوف من المجتمع، واكتئاب ومضايقات كثيرة من العائلة أو الزوج، وقد تصل إلى تهديد يزيد من وتيرة العنف ضدها”.

تضيف: “هناك أثر كبير جداً وهو الأثر الاقتصادي لأن الكثير من النساء الناجيات من العنف واللواتي يقررن بدء حياة جديدة، لا يتمتعن بالاستقلالية الاقتصادية الكافية التي تسمح لهن بإعالة أنفسهن وأولادهن. كما نلاحظ ازدياد وتيرة هذا العنف الاقتصادي ضد النساء، نظراً إلى الوضع الاقتصادي العام في البلد، وحتى العنف الجنسي من خلال ظاهرة الابتزاز الإلكتروني”.

وحول وجود تعديلات قانونية أو تشريعية لحماية النساء من العنف، تنطلق شندر من “الثغرات القانونية الموجودة والتي تتمثل بالجانب الاقتصادي، الذي يحتاج إلى تعديل وإقرار قوانين تساعد المرأة وتؤمن لها حماية اقتصادية كاملة لها ولأولادها. كما نلحظ أن الزوج ومن دون أحكام صادرة لا يقوم بإيفاء المرأة نفقتها أو حقوقها الشرعية كالمهر، والذي ينص عليه عقد الزواج، لذلك نطالب المحاكم الشرعية والروحية أن تصدر قرارات وأحكاماً تلزم الرجل بإعطاء المرأة حقوقها في حال الانفصال أو الزواج. فما يحصل هو سوء تطبيق للقوانين الدينية وقوانين الأحوال الشخصية، وهناك مشكلة كبيرة أيضاً تتعلق بعدم تسجيل الزواج والأولاد، وكل ذلك يؤدي إلى آثار سلبية على المرأة والأولاد مما يستوجب تطبيق المساءلة والمحاسبة من أجل تنفيذ القوانين اللازمة والمطالبة بإقرار قانون منع تزويج القاصرات”.

تختم شندر برسالة موجهة إلى النساء المعنفات من خلال دعوتهن إلى عدم الخوف والثقة القوية بأنفسهن، وتوجههن إلى الجمعيات والأفراد المختصين في حال تعرضهن للعنف، للحصول على الحماية والدعم اللازمين.

أما لصنّاع القرار فتمنت شندر، “الضغط والمناصرة لإقرار كافة القوانين والتشريعات التي تضمن حماية النساء والفتيات في لبنان، وتطوير الخطط الموضوعة، ووضع سياسات تؤمن العدالة للنساء والفتيات”.

إذاً، مواجهة العنف الأسري تتطلب وعياً وتطبيقاً فعّالاً للقوانين، إلى جانب دعم النساء نفسياً واقتصادياً لضمان حقوقهن وبناء مجتمع أكثر أماناً وعدالة.

اخترنا لك