تحرير جنوب لبنان : بين سطوة السلاح وغياب الدولة…

بقلم ميراز الجندي – كاتب ومحلل سياسي

في لبنان، لا يمكن الحديث عن ديمقراطية فعلية أو نظام برلماني متوازن طالما أن هناك سـلاحاً خارج إطار الدولة، وطالما أن هناك أيديولوجيات فوق الدستور، وقرارات تصدر باسم “التكليف الشرعي” لا باسم القانون.

ما جرى سابقًا وما سيجري في الانتخابات البلدية في الجنوب اللبناني لا يمكن اعتباره عملية انتخابية ديمقراطية حقيقية، بل أشبه باستعراض سياسي يكرّس أمر واقع مفروض بقوة الترهيب لا التمثيل. في بيئة يهيمن عليها حزب ال،له وأمل، يُسلب المواطن حقّه في الخيار الحر، ويُختزل في دوره كمجرد تابع، إما خاضع للقرار الحزبي، أو محاصر بالخوف من تبعات الاختلاف.

لا يمكن إجراء انتخابات حرة تحت ظل السلاح، ولا يمكن الوثوق بنتائج صناديق يسبقها خطاب تعبوي وتكليف شرعي. ما يحدث في الجنوب هو تعبير فاضح عن غياب الدولة، وعن نظام موازٍ يتغلغل في مؤسساتها، ويختطف إرادة جزء كبير من شعبها.

ما يزيد الطين بلة، هو التمويه الرسمي لهذا الواقع. الدولة نفسها، أو ما تبقى منها، تمارس التماهي الكامل مع حزب ال،له عبر ما يسمى “عيد المقاومة والتحرير”، حيث تُحوّل مؤسسات الدولة إلى أبواق للتمجيد، في مشهد يبدو فيه الوطن مسلوباً، والمؤسسات خادمةً للمشروع المسلح، لا راعية للسيادة.

أما حركة أمل، بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري، فقد تحولت إلى جزء عضوي من شبكة السلطة الفاسدة، تتقاسم النفوذ والمغانم، وتُدير مناطقها بعقلية الزبائنية السياسية، مستخدمة المؤسسات العامة كأدوات ترضية للمحاسيب، لا كأذرع تنموية.

إن تحرير لبنان لا يبدأ من البيانات ولا خطابات ولا من طاولات الحوار، بل من كسر المعادلة التي تحتكر الجنوب وتمنع بسط سلطة الدولة فيه. لا يمكن بناء وطن على أسس سليمة، طالما أن هناك مناطق لا تخضع إلا لسلطة السلاح، وطالما أن القرار السياسي فيها يُصنع في غرف مغلقة لا في مؤسسات منتخبة.

تحرير الجنوب من هيمنة السلاح والانغلاق الأيديولوجي، ومن الفساد السياسي لحركة أمل، هو المدخل الحقيقي لتحرير لبنان من أزمته الوطنية. فلبنان لا يمكن أن يكون سيداً ما دام جزء منه أسير، ولا يمكن أن يكون حراً ما دامت الكلمة فيه تُكمم باسم المقاومة، وتُقمع باسم التكليف.

المعركة الحقيقية هي معركة وعي، معركة استرداد الدولة، لا فقط من الاحتلال الخارجي، بل من الداخل أيضاً، من أولئك الذين صادروا القرار، واحتكروا الوطنية، وجعلوا من الجنوب حديقة خلفية لمشاريع لا تشبه لبنان ولا تطلعات شعبه.

في هذا السياق، تبرز أهمية المعارضين الذين يواجهون هذا الواقع بشجاعة، رغم التهديدات والتضييق. هؤلاء الأفراد والجماعات يمثلون صوت الضمير الوطني، ويؤكدون أن هناك من لا يزال يؤمن بلبنان الدولة والمؤسسات. إن دعمهم والوقوف إلى جانبهم هو واجب وطني، فبهم يُعاد بناء الثقة، ومن خلالهم يمكن أن ينبثق فجر جديد للحرية والسيادة والعدالة الاجتماعية.

اخترنا لك