عقل العويط… يا لَغيرتي منها

بقلم عقل العويط

“لوريان لوجور” مستحقّة تكريم الأكاديميّة الفرنسيّة التي منحتها جائزتها الفرنكوفونيّة المذهّبة. يكفيها، هذه الجريدة، أنّها على قيد الحياة. وأين ؟ في لبنان 2022 القتيل قتلًا همجيًّا مقصودًا، كيانيًّا، وجوديًّا، جسديًّا، روحيًّا، مادّيًا ومعنويًّا، وقتلًا بالحبر، وبالكلمة.

يكفيها “لوريان لوجور” أنّها تحبّ الحياة. ويكفيها خصوصًا أنّها تحبّ الحبّ والحرّيّة، من طريق اللغة الفرنسيّة.

المسألة لي ليست مسألة جائزة. تبًّا للجوائز. المسألة مسألة “مقاومة” ثقافيّة دفاعًا عن الجوهر، عن الروح، عن المعنى، عن العقل، عن الفكر، عن السؤال، عن التعدّد، عن الاختلاف، عن القلب، عن الانسان، عن الذات، وعن الآخر.

هذه كلّها “مقاومة”، لكن ليس بالاستعلاء، ولا بالغطرسة، ولا بالقوّة، ولا بالاحتلال، ولا بالانتداب، ولا بالوصاية، ولا أيضًا وخصوصًا بالسلاح. بل فقط “مقاومة” بالكلمة، باللغة، باللغة الفرنسيّة تحديدًا، حبيبتنا هذه اللغة الفرنسيّة، لأنّها لغة الشعر والأدب والموهبة والخلق والتفاعل القلبيّ والعلمنة والأنوار والفلسفات والدماثات الكونيّة.

ولأنّها أيضًا وأيضًا، ولا سيّما، وخصوصًا، ودائمًا وأبدًا، وأمس، واليوم، وغدًا، لغة التغيير والثورة والحرّيّة.

ولأنّها لغة شعراء الحرّيّة.

في هذا الزمن الإرهابيّ الأرعن، زمن سطوة الأمّيّات والظلاميّات السياسيّة والثقافيّة والفكريّة، تصدر “لوريان لوجور” صباح كلّ يوم، وعلى الرغم من الانهيار، من الفقر، من العوز، من الضحالة، ومن اليأس، بالحبر النقيّ المضيء النوّار الذكيّ السلس الليّن الطيّب الأكول الأبيّ الكريم، لتقول لنا بأقلام صحافيّيها، وكتّابها، وأدبائها، ومثقّفيها، وأحرارها، وأيضًا بأخبارها، ومعلوماتها، ومعاييرها، وقيمها، إنّ الكلمة يجب أنْ تبقى عالية الجبين، وإنْ متقشّفة، لأنّ واجبها أنْ تبقى. الكلمة هي العلامة وهي المنارة في ليل بلادنا الطويل الطويل. وهي يجب أنْ تظلّ “تقاوم” من أجل أنْ تكون هي الطريق إلى الحظوة، إلى نجمة الصبح، وطلوع الشمس.

لا شيء يقارَن بما كانت عليه الصحافة بالعربيّة والفرنسيّة في سبعينات القرن الماضي، ولا حتّى في العشريّة الأولى من هذا القرن. لكنّ أكثر ما يهمّني في هذه المسألة أنّ “لوريان لوجور” “تقاوم” بالصدور، وخصوصًا بالأدب، فهي لا تزال – يا لغيرتي الشخصيّة منها – تُصدر – بكفاءة مشهودة – ملحقها الأدبيّ الشهريّ، القادر كلّ مرّة على نفحنا بالمفاجأة اللذيذة الطيّبة، بالعزم والأمل وبحبوحة الموهبة الخلّاقة غير القابلة للترهّل أو الاستسلام.

على سيرة الجائزة التي نالتها “لوريان لوجور”، تحضرني قصيدة “الحرّيّة” لشاعري المحبوب، شاعر الحبّ والحرّيّة، بول إيلوار، القائل : “على دفاتري المدرسيّة على مكتبي على الأشجار على الرمل على الثلج أكتب اسمكِ على كلّ الصفحات المقروءة على كلّ الصفحات البيضاء على الحقول على الأفق على بحيرة القمر الحيّ على الجبل المعتوه على كلبي الشرِه الليّن على أذنيه المتنبّهتين على جدران ضجري… أكتب اسمكِ وبسلطان كلمةٍ واحدةٍ أبدأ حياتي من جديد أنا ولدتُ لكي أعرفكِ لكي أسمّيكِ يا حرّيّة”.

“لوريان لوجور”، إليكِ تحيّة الأدب والحرّيّة.

اخترنا لك