في مواجهة العبث بـ الانتخابات والكرامة الوطنية : تقرير “لادي” يقرع ناقوس الخطر
من الجنوب والنبطية إلى الدولة اللبنانية : من لم يستحِ من القانون، لن يستحي من الوطن...
في زمن تتغوّل فيه الفوضى على القانون، ويتحوّل الاستحقاق الانتخابي إلى ساحة استقواء وابتزاز، ترصد الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات “لادي” جملة من التجاوزات والانتهاكات التي طالت الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الجنوب والنبطية، في تقرير هو بمثابة وثيقة إدانة للواقع المأزوم الذي بلغته العملية الانتخابية، حتى كادت تفقد معناها وجوهرها الديمقراطي.
فمنذ الساعة الأولى لفتح صناديق الاقتراع وحتى لحظة إقفالها، واكبت “لادي” مجريات العملية الانتخابية، وسجّلت 613 مخالفة توزّعت بين خرق لسرية الاقتراع، ضغوط على الناخبين، دعاية انتخابية مخالفة، فوضى في مراكز الاقتراع، وتجاوزات فاضحة لصمتٍ انتخابي مُستهان به.
سيف “التزكية” على رقاب المرشحين
وفيما يُفترض بالتزكية أن تكون مظهرًا من مظاهر التفاهم المحلي، رصدت “لادي” في هذه الجولة ضغطًا ممنهجًا مورِس على المرشحين لدفعهم نحو الانسحاب، وبخاصة من قبل “حزب الله” و”حركة أمل”، تحت شعار “الاستقرار” و”إعادة الإعمار”، وكأن التعددية تهديد، والديمقراطية خطر، والحياة السياسية ترفٌ لا يحتمله الجنوب.
خروقات بالجملة.. وانتهاك صارخ للقانون
من شمع إلى النبطية، ومن صور إلى جزين، تجاوزات لا تُعدّ ولا تُحصى:
- تدخلات مباشرة من مندوبين في خيارات الناخبين داخل الأقلام.
- استخدام وثائق غير قانونية للاقتراع (إخراج قيد، جواز سفر منتهي).
- معازل مكشوفة لا تراعي سرية الاقتراع.
- دعايات حزبية ومواكب سيارات بمكبّرات صوت على أبواب المراكز.
- منع استخدام الشاشات خلال الفرز بطلب من ممثلي لوائح حزبية.
- اعتداءات جسدية على مرشحين ومراقبين، كما حصل في الغازية وصور.
وفي سابقة خطيرة، تلقّت رئيسة قلم في مركز شمع اتصالًا من ممثل لائحة “وفاء وتنمية” يطلب منها التلاعب بعملية الفرز لصالح مرشح من آل صفي الدين. ووفق شهادة مباشرة، رضخت رئيسة القلم “خوفًا من التعرّض لها”. هذه ليست انتخابات، بل وصمة عار على جبين دولة غائبة، أو متواطئة، أو مستسلمة.
الأمن… أداة ترهيب أم حماية للناخب؟
في قضاء النبطية، صعّبت الإجراءات الأمنية وصول رؤساء الأقلام إلى لجان القيد، مما استدعى تدخل الصليب الأحمر لنقل الصناديق. وفي حالات أخرى، حصلت مشادات بين رؤساء أقلام وعناصر قوى الأمن، على خلفية تدخل غير مبرر في سير العملية، كما حدث في المدرسة الجعفرية في صور.
أما في الغازية، فقد بلغت الوقاحة حدّ ضرب مراقبة من “لادي” ومصادرة هاتفها على يد مندوبي أحد المرشحين، قبل أن تُعاد إليه بعد تدخل رئيس المركز واعتذار المعتدين.
التواطؤ الصامت والمجتمع الغائب
رغم كل ما سبق، تتحدث “لادي” عن تجاوب “نسبي” من وزارة الداخلية، ما يطرح سؤالًا ملحًا: هل يكفي “التجاوب” في وجه منظومة تضرب عرض الحائط بالقانون والدستور وحق الناس؟ أم أن المطلوب محاسبة حقيقية، وتحقيق شفاف، ومساءلة تطال من مارس الضغط، وحرّض، واعتدى، وخرق، وزوّر، وسكت؟
لبنان ليس ملكًا لأحد.. والديمقراطية ليست بندًا تفاوضيًا
نحن أمام مشهد انتخابي مشوّه، يشبه صورة بلد تُنهكه الطائفية، ويُغرقه السلاح غير الشرعي، وتُصادره الأحزاب الشمولية التي تعتبر أن الجنوب “إقطاعية” سياسية وأمنية لا يجوز لأحد أن يُنافس فيها أو يعارض.
لكننا، باسم من صوّت بحرية، ومن ترشّح رغم التهديد، ومن انسحب مُجبرًا، ومن ضُرب لأنه راقب، نقول: لبنان ليس رهينة، والجنوب ليس مزرعة، والديمقراطية ليست بندًا تفاوضيًا بين حزب وسلطة.
نطالب الدولة اللبنانية، ومجلس شورى الدولة، ووزارة الداخلية، بتحمّل مسؤولياتهم، وعدم دفن هذه المخالفات تحت رماد “الاستقرار المزعوم”، وإلا فإن من يزوّر اليوم صندوقًا، سيزوّر غدًا حدودًا ودستورًا وشعبًا بأكمله.