بقلم ماهر أبو شقرا
تحالفت جميع الأحزاب التقليديّة الطائفية الكبرى بعضها مع بعض في انتخابات المجلس البلدي لمدينة بيروت. وذلك على الرغم من جميع تناقضاتها ونزاعاتها التي شكّلت تهديداً جدّياً لوحدة المجتمع اللبناني في أكثر من مناسبة. لقد شكّل ذلك التحالف مشهداً سوريالياً بالفعل. تحالف مؤقت جمع الأحزاب الطائفية وتجّار السلاح والمافيا المصرفية والتجّار المحتكرين وبعض المؤسسات الدينية، بحجّة الحفاظ على المناصفة بين المسلمين والمسيحيّين في بلديّة بيروت. غير أنّ المناصفة سقطت بخرق يتيم من محمود الجمل مكان إيلي أندريا، مرشح متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأورثوذكس المطران الياس عودة. كما سقطت فرصة أن يكون لمدينة بيروت مجلس بلدي فاعل وجدّي وقادر على خدمة أهلها وسكّانها.
إنّ معركة بلديّة بيروت تعيد اليوم فتح النقاش حول هواجس الجماعات الطائفية وتأثيرها في السياسة اللبنانية. إنّ الأكيد حتماً هو أنّ هذه الهواجس هي هواجس حقيقية، لا يمكن القفز فوقها أو إهمالها. إنّما في الوقت نفسه لا يمكن السماح باستمرار مأسستها في أحزاب طائفية. تلك الأحزاب تذكّي الهواجس الطائفيّة بدلاً من أن تعالجها أو أن تجد حلولاً لها. إنّ إذكاء الهواجس إنّما هو يقود بالضرورة إلى تهديد جدّي لوحدة المجتمع اللبناني، وإلى إبعاده عن الخيارات التي فيها مصلحته الفعلية كمجتمع. لقد نجحت الأحزاب الطائفية في تقسيم المجتمع اللبناني، إلى حدّ أنّ مجتمعنا صار يعتقد أن وحدته تتحقّق حين تتحد تلك الأحزاب. وهنا تكمن المأساة الكبرى.
لقد نجحت الأحزاب الطائفية في تقويض الديمقراطية البرلمانية في لبنان، وحوّلت النظام السياسي اللبناني إلى ائتلاف لطوائف تهيمن عليه أحزاب طائفية. وفي قوانين نظام ائتلاف الطوائف، فإنّ الأحزاب الطائفية دائماً ما ستعترف بشرعية بعضها البعض، حتى ولو كان الحزب المقابل خصماً. فشرعية الحزب الخصم في الطائفة الأخرى هي التي تعطيها شرعيتها في طائفتها. وفي قوانين نظام ائتلاف الطوائف لا ضير في أن تدخل الأحزاب الطائفية في زواج مؤقت، ولو كان على حساب مصلحة المجتمع وعلى جثة المدينة. أمّا الصراعات الدمويّة فهي أبغض الحلال.
إنّ النظام القائم حالياً في لبنان لا يمكن أن يسمح بقيام دولة فعليّة، بل يجعل لبنان كياناً هجيناً يديره ائتلاف زعماء الأحزاب الطائفية. لذا يحتاج لبنان اليوم إلى أن يتحوّل إلى جمهورية حقيقيّة. جمهوريّة لامركزيّة في إدارتها، علمانية محايدة تجاه جميع الديانات في عقيدتها، واجتماعية في سياستها، بحيث تضع رفاهية المجتمع في صدارة أولوياتها. جمهورية تُمسكها دولة قويّة قادرة على إدارة التنوّع، وصون وحدة المجتمع، وحفظ الكرامة الإنسانية للجميع.