السلك الدبلوماسي اللبناني يعود إلى الانتظام : تعيينات جديدة بعد ثماني سنوات من الجمود

بقلم كوثر شيا

في خطوة طال انتظارها، أقرّ مجلس الوزراء اللبناني، بجهود وزير الخارجية يوسف رجي، تشكيلات دبلوماسية جديدة أعادت تحريك المياه الراكدة في السلك الخارجي بعد نحو ثماني سنوات من التعطيل المزمن. هذه التعيينات جاءت لتسدّ فراغات حرجة، وتعكس توازنات دقيقة بين السلطة التنفيذية ورؤساء المؤسسات الدستورية، في لحظة سياسية واقتصادية فارقة.

أسماء جديدة في عواصم القرار

شملت التعيينات 17 سفيرًا جديدًا في مواقع استراتيجية، أبرزها:
• ندى حمادة في واشنطن خلفًا لغابي عيسى، في دلالة على طيّ صفحة التعيينات السياسية المثيرة للجدل.
• ربيع الشاعر في باريس، بعد إقصاء رامي عدوان على خلفية تحقيق مسلكي.
• فادي عساف في الفاتيكان، خلفًا لفريد الخازن، ما يعيد التوازن الطائفي والمهني للتمثيل الكاثوليكي.
• أحمد عرفة في بعثة لبنان إلى الأمم المتحدة – نيويورك، خلفًا لأمل مدللي، ما يعكس خطّ الحكومة الجديد في الملفات الدولية.
• هند درويش في الأونيسكو، كأول سيدة تتولّى هذا المنصب خلفًا لكل من خليل كرم وسحر بعاصيري.

إضافة إلى تعيينات في الرياض (علي قرنوح)، موسكو (بشير عزام)، أبوظبي (طارق منيمنة)، جنيف (كارولين زيادة)، وأثينا (كنج حجل)، وهي مواقع لطالما عكست ثقل لبنان في علاقاته الثنائية ومتعددة الأطراف.

نقلة نوعية في المعايير؟

تكمن أهمية هذه التشكيلات في خفض عدد السفراء من خارج الملاك الدبلوماسي إلى 6 فقط، بعدما وصل العدد في عهد الرئيس ميشال عون إلى 14، ما يدل على رغبة جدية في إعادة الاعتبار للكفاءة المهنية على حساب الولاءات السياسية.

كما تمّ استدعاء 47 سفيرًا تجاوزوا المدة القانونية للخدمة في الخارج (12 عامًا)، مما يعيد تصويب التوزيع ويتيح فرصًا للجيل الجديد من الدبلوماسيين.

توزيع سياسي وطائفي… لكن مضبوط

رغم انخفاض منسوب التدخل السياسي في التعيينات، ظلّت آلية التوزيع الطائفي والسياسي حاضرة، وإنْ بصيغة مضبوطة:
• الرئيس جوزاف عون اختار سفراء واشنطن، باريس، والفاتيكان.
• رئيس الحكومة نواف سلام تولّى تسمية مندوبي لبنان في نيويورك، الأونيسكو، والسعودية.
• رئيس مجلس النواب نبيه بري رشّح سفراء لندن، بلجيكا، طوكيو، قطر، وسويسرا.

بين المهنية والسياسة: التوازن الدقيق

اللافت أن التعيينات لم تخلُ من الأسماء المدعومة سياسيًا، مثل وليد حيدر إلى بلجيكا وفرح بري إلى لندن، لكن معظم الأسماء أتت من رحم الإدارة الدبلوماسية، ما يمنح هذه التشكيلات حدًا أدنى من المصداقية والجدية.

وفي موازاة ذلك، أعلن عن تعيين ميشال عيسا سفيرًا أمريكيًا جديدًا في بيروت، وهو خبير مالي اختاره الرئيس دونالد ترامب في مارس الماضي، ما يفتح المجال أمام تطوّر جديد في العلاقات الأمريكية اللبنانية خلال المرحلة المقبلة.

هل تكون بداية لإصلاح أوسع؟

هذه التعيينات، وإن جاءت متأخرة، تُعدّ اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة اللبنانية على إعادة تنظيم مؤسساتها على أسس مهنية ودستورية. فهل يُبنى عليها لتصحيح باقي مفاصل الإدارة العامة، أم تبقى خطوة يتيمة في زمن التفكك؟

الأشهر المقبلة كفيلة بالإجابة.

اخترنا لك