شهد نظام “ولاية الفقيه” في إيران، الذي أُسس بعد الثورة عام 1979 على يد السيد روح الله الخميني، تراكمًا متزايدًا في الأزمات البنيوية والسياسية، بات يهدد بشكل جدّي شرعيته واستمراريته. هذا النظام، القائم على مبدأ الدمج المطلق بين الديني والسياسي تحت سلطة الولي الفقيه، يعاني اليوم من تصدعات داخلية عميقة، لم يعد يخفيها حتى بعض رموز النظام نفسه.
هشاشة النظام واعترافات الداخل
في اعتراف نادر يسلّط الضوء على الواقع المأزوم، شبّه أحد صانعي الأفلام الوثائقية الأمنيين في إيران الوضع الحالي بالعام 1981، والذي يعدّ من أسوأ مراحل ما بعد الثورة. آنذاك، كانت منظمة “مجاهدي خلق” قد أعلنت الكفاح المسلح، واندلعت مواجهات دامية في الشوارع الإيرانية. ويبدو أن هذا التشابه ليس في السياق السياسي فحسب، بل في الشعور العام بالخطر، والهلع المتصاعد داخل دوائر الحكم من عدو واضح: منظمة مجاهدي خلق.
فالخطر الذي يراه النظام ماثلًا أمامه اليوم، ليس في العقوبات الغربية أو التهديدات الخارجية، بل في وجود طيف اجتماعي وتنظيمي يمتد على مساحة البلاد، ويملك القدرة على تحويل أي شرارة إلى انتفاضة. فبحسب المعطيات الميدانية، هناك ما يُقارب 400 ألف عنصر في الداخل الإيراني مستعدون للتحرك، وكلهم يحملون غضب عائلات ضحايا المجازر السياسية، وعلى رأسها مجزرة عام 1988، التي أعدمت فيها السلطة آلاف السجناء السياسيين، أغلبهم من “مجاهدي خلق”.
أزمة الشرعية: انهيار الرابط الإيماني
النظام الذي بُني على فرضية “الإيمان بالولي الفقيه”، يواجه اليوم تصدّع هذا الإيمان، خصوصًا لدى فئات الشباب والنساء الذين يقودون موجات الاحتجاج. تصريحات أحمد علم الهدى، ممثل خامنئي في مشهد، لم تأتِ من فراغ حين قال: “إذا سقط الإيمان بالمرشد، يسقط النظام في ساعة واحدة”، في اعتراف واضح بأن ركيزة الشرعية لم تعد صلبة كما كانت.
فلا انتخابات نزيهة، ولا تمثيل شعبي حقيقي، ولا مؤسسات دستورية فاعلة. كل ما يملك النظام هو جهاز قمعي واسع، وقبضة أمنية تسعى للسيطرة على الرأي العام بالإكراه. وهو ما يزيد من هشاشته، لأن النظام الذي يعتمد على القوة العارية للاستمرار، يصبح أسرع سقوطًا حين تهتز تلك القبضة.
العدو الحقيقي: مقاومة الداخل وليس الخارج
العدو الحقيقي الذي يقضّ مضجع النظام الإيراني اليوم ليس الولايات المتحدة، ولا “الشيطان الأكبر” كما اعتاد أن يصفه، بل هو الوعي الداخلي المتنامي، والمقاومة المتجذرة في وجدان عشرات الآلاف من العائلات الإيرانية التي دفعت ثمنًا باهظًا في مواجهة “الثورة التي التهمت أبناءها”.
العدو الحقيقي هو “مجاهدي خلق”، ليس كاسم تنظيمي فقط، بل كرمز لغضب اجتماعي متراكم، يعيد التذكير دومًا بماذا فعل النظام بمعارضيه، وماذا ينتظر من يجرؤ على الاعتراض.
ساعة الحقيقة تقترب
في ظل هذا التآكل الداخلي، وتضعضع الإيمان الشعبي بشرعية النظام، تتضح صورة “العدو الحقيقي” الذي يخشاه نظام ولاية الفقيه: ليس في الخارج، بل في الداخل الإيراني، حيث الغضب المكبوت، والذاكرة الجمعية التي لم تنسَ، والمقاومة السياسية التي لم تُقهر. الشرعية المفقودة، لا المعارضات الكلاسيكية، هي ما قد يسقط هذا النظام. والسؤال الأبرز اليوم لم يعد “هل”، بل “متى؟”