القطيع الأيدلوجي

كتب د. عادل العوفي / الأيام البحرينية

يعتبر تشكل الأحزاب السياسية والجماعات الفكرية والدينية جزءًا من تركيبة المجتمع المدني، الذي تترسخ فيه قيم الديمقراطية، وتسري على تلك المنظمات بتطبيقاتها وسلوكيات إداراتها في مجالات التجديد والحوار والنقد والانتخابات الحرة، ولكن «القطيع الأيدلوجي» هو مصطلح لظاهرة لتشكيلات اجتماعية دينية أو سياسية من الأفراد والجماعات والطوائف والأقليات يتبعون أفكارًا معينة دون انتقاد

وتحليل دقيق، ولا يؤمنون بتطبيق النظام الديمقراطي الداخلي أو المراجعة النقدية والمداولات الجدلية الجماعية، وهذه الجماعات لا تهتم بالآراء الفردية، بل تحاربها من منطلق الخروج عن السرب، ويذهبون أكثر من ذلك في مسألة التشكيك والتخوين، مستخدمين فيها أساليب النصح تارة والتهديد تارة أخر، وقد وقعت تلك الجماعات في عمليات اغتيال لمفكرين عرب اختلفوا معهم مثل حسين مروة ومهدي عامل ونجيب محفوظ وفرج فودة وعلي الجندي وغيرهم.

وتميزت تلك الجماعات بالإيمان الأعمى الذي يتلقى توجيهاته من المركز القيادي الصارم، والذي تتنفذ أوامره بلا تردد وبدون نقاش، فنوعية القيادة هي عقلية متطرفة ومستبدة، وتربط أفعالها بقربها للسماء ونهج الرب، مستغلة فيها الإيمان العقائدي والجهل وخاصة في أوساط الفئات الفقيرة والبائسة وأنصاف المتعلمين، فمن حاول اغتيال الكاتب الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ لم يقرأ كتابًا له، ولكنهم اعتبروه كافرًا ويستحق الموت.

القطيع الأيدلوجي الأعمى يشعر أتباعه بالانتماء وتميز الهوية متشبعين بالفكر المتطرف، ويعتبرون الدولة مؤسسة لا تمثلهم بتاتا، ويعملون على هدم أركانها، ويحللون سرقتها، ويتسربون إلى مؤسساتها للسيطرة على وظائفها وتطويعها لخدمة القطيع، واستثمار الإيجابيات الخدمية، ويضعون أعينهم على القطاع الأمني والعسكري لتوجيه الاغتيالات السياسية كما حصل في اغتيال الرئيس المصري أنور السادات.

وأهم المؤسسات التي تُسْتَغَلّ بجانب المجال الأمني والعسكري هو المؤسسة الإعلامية والتعليمية، فيركزون على الإصدارات التاريخية والتي تثير الشكوك والشبهات، ويقومون بالتدريس الخارج عن المناهج التعليمية، ويصنعون بدائلهم الدراسية.
ويدفعون بالقطيع للسيطرة على المؤسسات النقابيّة والعمالية التي تتحكم في سير الاقتصاد والإضرابات العمالية، والتي تسهم في عدم الاستقرار، وتشوه الوعي العمالي وطأفنة انتخاباته.

وأكثر التأثيرات السلبية هو ارتباط القطيع السياسي بالمؤثرات الإقليمية والاصطفاف في فلكها، وهذا ما يتم فيه التضحية بالمصلحة العامة الوطنية، وتلبية المصالح الخارجية والولاء لاتساع جغرافيتها وفكرها الذي يهدد الاستقلالية السياسية ويحرف مساراتها.
إن الشعوب العربية ونضالاتها الوطنية تراجعت بعد نمو فكر القطيع الطائفي، وتراجعت الثقافة والأدب والصحافة والوجود الفكري بعد سيادة ذلك الفكر الذي قضى على التاريخ الممتد من المجتمعات المدنية واتحاد الأنسجة الاجتماعية.

نحن أمام صراع فكري حاد دام عقودًا من الزمن، تبين كم من خسائر ومرارة ورثها لنا ذلك الفكر المظلم، والتي نحن الآن بحاجة ماسة لاستعادة المبادرات الوطنية، للنهوض بمفاهيم الدولة المدنية المستقبلية والولوج نحو الإصلاح وتقدم الوعي الثقافي بقوى بديلة قادرة على صناعة التغيير نحو مستقبل مضيء.

اخترنا لك