بقلم د. عبد العزيز طارقجي
في أعقاب الحرب الإسرائيلية-الإيرانية الأخيرة، التي خلفت آثارًا استراتيجية عميقة على بنية النفوذ الإيراني في المنطقة، برزت مؤشرات مقلقة في سوريا ولبنان تؤكد عودة نشاط تنظيم “داعش” الإرهابي بطريقة مفاجئة ومنسقة، ما يفتح باب التساؤل حول الجهات التي تقف خلف هذا التحرك، والغاية الحقيقية من إحياء هذا التنظيم الدموي.
أوامر مباشرة من طهران إلى “داعش”
تفيد مصادر أمنية موثوقة بأن جهاز الاستخبارات الإيراني قد أصدر تعليمات مباشرة إلى خلايا مرتبطة بتنظيم “داعش”، تتضمن تنفيذ عمليات إرهابية وتخريبية في سوريا ولبنان. هذا التورط لا يمكن فصله عن محاولة طهران إعادة خلط الأوراق وصرف الأنظار عن خسائرها الاستراتيجية بعد الحرب الأخيرة وطردها التدريجي من سوريا، عبر زرع مزيد من الفوضى الأمنية.
العودة المفاجئة لـ”داعش” في هذا التوقيت تحمل بصمات مشروع إيراني ممنهج لإعادة تشكيل المشهد الأمني، ليس فقط في المشرق العربي، بل أيضًا في شمال إفريقيا، عبر تصدير الإرهاب واستخدامه كأداة ضغط وانتقام جيوسياسي.
من بيروت إلى الرباط… تحركات متزامنة
أعلن الجيش اللبناني مؤخرًا عن توقيف “قائد تنظيم داعش في لبنان” خلال عملية نوعية في بيروت، كان يُعد من خلالها لهجمات خطيرة. هذا التطور يكشف استمرار التنظيم في التحرك داخل بيئة رخوة أمنيًا، ما يثير الشكوك حول الجهة التي توفر له الحماية.
في المغرب، فككت السلطات خلية إرهابية مرتبطة بـ”داعش”، كانت تخطط لهجمات في مدن رئيسية، وكشفت التحقيقات عن تنسيق خارجي، يعزز فرضية وجود “غرفة عمليات إقليمية” – من المرجح أن تكون إيرانية – تقف وراء تلك التحركات.
إرهاب منسّق يخدم مشروعًا واحدًا
تقارير إعلامية عدة، بينها تقرير بثّ عبر قناة عربية مرموقة، أكدت عودة نشاط “داعش” في سوريا ولبنان والعراق بنمط لا يبدو عشوائيًا، بل منظمًا ويُدار من خارج الحدود. وتشير هذه التقارير إلى أن التنظيم يتحرك وفق أجندة تقودها قوى إقليمية، تتصدرها إيران، التي اعتادت استخدام الجماعات المتطرفة كأدوات لضرب الاستقرار.
تلاقي المصالح بين “داعش” و”حزب الله”
رغم العداء الظاهري بين تنظيم “داعش” و”حزب الله”، إلا أن الوقائع تشير إلى تقاطع في المصالح يخدم المشروع الإيراني التوسعي. فالتنظيمان، وإن بديا خصمين، إلا أن كليهما يشكلان أدوات تستخدمها طهران لإرباك الحكومات الوطنية، وتحديدًا في سوريا ولبنان، عبر الفوضى الأمنية ونشر التهديدات المتطرفة.
ويبدو أن هذا التلاقي المموه بين “العدوين الظاهريين” يعزز مناخ الإرهاب، ويهدد استقرار المنطقة، ويؤشر إلى سيناريو خطير من الترهيب والتفتيت المجتمعي.
تحذير إلى المجتمع الدولي: إيران بوابة الإرهاب العابر للقارات
لم يعد خطر “داعش” محليًا، بل بات عابرًا للقارات، نتيجة للدعم الإيراني غير المباشر أو المزدوج. طهران تمارس ازدواجية خبيثة، تعلن العداء علنًا للتنظيمات المتطرفة، بينما تتحالف معها سرًا لخدمة أجندتها التوسعية.
إن صمت المجتمع الدولي تجاه هذا النمط من الإرهاب المُدار لم يعد مبررًا، والتساهل مع دور إيران في تمويل وتسليح الجماعات المتطرفة، من “داعش” إلى “حزب الله”، يشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي والدولي على حدّ سواء.
لقد أثبتت الوقائع أن إيران لا تكتفي بدعم جماعات متفرقة، بل تبني شبكة متماسكة من التنظيمات الإرهابية التي تخدم مشاريعها التخريبية. “داعش” و”حزب الله” هما وجهان لعملة واحدة، تستخدمها طهران لضرب الدول من الداخل، وتقويض الأمن القومي العربي.
إن الردّ الدولي الحازم لم يعد خيارًا، بل ضرورة. مواجهة إيران كراعٍ للإرهاب العابر للحدود هي المدخل لحماية الشرق الأوسط من دوامة العنف والفوضى.
* باحث في الانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان ومتخصص في قضايا مكافحة الإرهاب