طبائع الممانعة وأخلاق الممانعين

بقلم د. علي خليفة

الممانعة عبارة سلبية. فهي تتمنّع عن أشياء كثيرة، أهمّها الأخلاق. الممانعة انتكاسة للإنسانية في إنسانيتها ومستوى هابط من سياق الحضارة العربية والإسلامية ومن تاريخ لبنان الحديث. وزمن الممانعة انحطاط وتصحّر وغلواء. والعالم، بعيون الممانعين، منقسم بين فسطاطين: فسطاط من يشاطرهم تفنيصاتهم وخرافاتهم وترّهاتهم على أنّها حقائق مُسقطة، وفسطاط الخونة والأنذال والمرتدّين… فقط لأنهم أصحاب رأي مختلف عنهم.

تنظر الممانعة بعيون هدّامة إلى الحضارة العالمية لتقطّع أوصالها وتبادلاتها الغنية، وتشنّ هجومًا استباقيًا على القيم الإنسانية العابرة للثقافات، وتصبّ جام غضبها على النزعة الفردية والتفكير الذاتي والحسّ النقدي. تتّهم الليبرالية بينما تعيش كالفطريات على إنجازاتها، وتزدري الحداثة من كوة كهفها الغابر، وتشيطن الغرب ولو قدّر لها أحالت المعمورة كلّها خرابًا.

ولا تقدّم الممانعة بالمقابل أي نموذج بديل سوى التخلّف والاستخدامات المغرضة للدين حدّ اختراع دين ضدّ الدين، كما فعل الخميني الذي استبدل الإسلام بعقيدة شعواء لا تمتّ بصلة إلى التشيّع التاريخي أو التشيّع العلوي أو العاملي وقزّم الله على هيئة شيطان معمّم بالأسود القاني، أو كما فعل “حزب الله” الذي نكب شيعة لبنان ونما على جثة الدولة وأدوارها الحصرية في الدفاع والأمن والاقتصاد والمجتمع.

إذا صادف الممانع مقالاً مخالفًا لرأيه، قد ينفعل فور معاينة العنوان أو بعد وصول درجة الغليان في جوفه حدّ الهياج كالثور في ساحة Corrida. قد يطلب عندئذٍ هدر دمك أو يباشر بهتك عرضك فيستحضر أخت الكاتب أو أمّه بدلاً من الرّد على المقال أو مقارعة حجّته.

وإذا اجتمعتَ على الهواء مع ممانع، وأدليتَ بما لا يتفق معه، انتكس كمن مسّته ضرّاء وطفق يكيل لك أقذع السباب والإسفاف والتشهير.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تدخل إلى صفحات الممانعين: هذا يضع صورة سليماني مكشّرًا كالضبع وذاك يضع صورة الخامنئي مقطّبًا كالبومة أو صورة نصرالله متوعّدًا أو مغتنمًا. ويخلون إلى شياطينهم وطلاسمهم وشارات وثارات ومعظمهم بلا هويات شخصية ولا سمات: أحدهم في بادرة أنس، يضع صورته وزوجته فيغطّي وجهها بالـ Emoji، تحت تأثير لفافة دينية مانعة اخترعها له وليّ أمره.

لا فنّ راقيًا ولا عِلم نافعًا يخرج من بيئة سادت فيها طبائع الممانعة وأخلاق الممانعين، بل بلاهة وسفاهة وتفاهة. وبوجه العقلانية المنقذة من الشقاء، يغلّف الممانعون صناعتهم بغلاف تديّن مزعوم ومظاهر ممجوجة لاستنفار العصبيات والاستفزاز ويعفون أنفسهم من أن يكون لهم أخلاق بالحدّ الأدنى من معاييرها الناظمة.

اخترنا لك