بقلم ماهر أبو شقرا
لدعاة تقسيم لبنان تبريرات متنوّعة لخطابهم. منهم من يبرّر ضرورة التقسيم باستحالة التعايش مع ميليشيا دينية تصرّ على الاحتفاظ بسلاحها بعد اتفاق اللبنانيين في الطائف على حصر السلاح بيد الدولة. ومنهم من يبرّره باستحالة التعايش مع الفكر “الجهادي التكفيري” المنتشي بالانتصار الإقليمي الكبير في سوريا. ومنهم من يبرّره بالاختلاف العميق في الميول والخيارات الجيوسياسيّة بين الهويّات المتنوّعة ضمن المجتمع اللبناني.
إنّما، هل تقسيم لبنان هو الحل؟ حتماً لا
إنّ تقسيم لبنان هو انتحار اقتصاديّ واجتماعيّ، وإنكار يائس لتاريخ لبنان وهويته كأمة. ومع ذلك، فإنّ رفض تسلح ميليشيا دينية هو أمر منطقي ومفهوم، مهما كانت شعاراتها، وحتّى لو كان بيدها مفتاح الجنّة وليس فقط مفتاح القدس.
غير أنّ الحلّ لهذا الأمر هو استمرار الضغط من أجل الإسراع في حصر كلّ السلاح بيد الدولة اللبنانية، انطلاقاً من أنّ تمسّك ميليشيا دينية بسلاحها في لبنان يهدّد وحدة المجتمع ويقوّض سيادة الدولة. والخوف من تعاظم قوّة “الجهاديين التكفيريين” هو خوف مفهوم لا جدال فيه، حتى لو كان أصحاب هذا الفكر قد واجهوا نظام البعث والخمينيين في مرحلة ما، وهم ليسوا أفضل منهم بأي شكل من الأشكال.
غير أنّ التصدّي لهذا الهاجس يكون بتعزيز قدرات الجيش ليكون قادراً على حماية البلاد من الإرهاب التكفيري وكل تهديد خارجي. أمّا الاختلاف في الميول والخيارات الجيوسياسيّة بين الهويّات المتنوّعة ضمن المجتمع اللبناني فحلّه يكمن في تكريس فكرة الأمّة اللبنانيّة، وتحييد لبنان عن الانخراط في صراعات المحاور الإقليميّة والدوليّة.
لقد واجهنا سابقاً من قال إن مرجعيته الخميني، ونتصدّى اليوم لمن يقول أنّ مرجعيته الشرع، كما تصدّينا لكلّ من قال إن مرجعيته هي الغرب. ولبنان لا يحتمل أن يكون هناك “مربط رسن” في الخارج لأيّ شريحة من مجتمعنا. فللخارج أجنداته، ولنا مصالحنا. نحن أمة حقيقية، ذات خصائص ثقافية مشرقية متوسطية، والذي يوحّد مجتمعنا أكبر بكثير من الذي يفرّقه.
ومع ذلك، يبقى السؤال: هل يلائم النظام السياسي الحالي تطلعات الأمة اللبنانية؟
والجواب هو كلا قطعاً. لهذا السبب، لا بد من تغييره. إنّ مصلحة لبنان اليوم تقتضي حماية وحدة مجتمعنا وتعزيزها عبر نظام سياسي جديد يرتكز على ثلاثة أركان: إدارة لامركزية، قوانين مدنية، ودولة اجتماعية. ولبنان يمرّ اليوم في مرحلة تاريخيّة. مرحلة تأسيسيّة بكلّ ما تحمله الكلمات من معاني. وهذه المرحلة تتطلب توحيد الجهود لفرض الإصلاحات الماليّة والإداريّة، وتعزيز الاقتصاد الوطني، وبناء تحالفات استراتيجية تضمن استقرار لبنان.
فلنطوِ صفحة كل محاولة لتقسيم لبنان، ولنُقسم معاً على التمسك بوحدة الأرض والمجتمع، وعلى جعل الانتماء للأمة اللبنانية أقوى من أي انتماء آخر. ولنعلن توبتنا النهائية عن كل استقواء بالخارج على الداخل. لبنان لا يحتمل الضعف أو الانقسام، بل يحتاج إلى إرادة جامعة لبناء مستقبله.