“القصة كلها” أزعجت أصحاب الأقلام المؤدلجة

بقلم نانسي اللقيس

ما قرأناه في مقال أحمد دمشقي لم يكن نقدًا مسرحيًا، بل نوبة غضبٍ مكتوبة. غضب نابع لا من العمل المسرحي نفسه، بل من اسم صاحبه، وموقعه، وحرية خياراته.

رجلٌ لم يُدعَ، حضر من تلقاء نفسه، وجلس في مقعد الجمهور، ثم خرج ليكتب مقالًا أقل ما يُقال فيه إنه مقال انتقامي، شخصي، مليء بالحقد المقنّع، وسلوك تصفوي صبياني لا علاقة له بالصحافة.

الانزعاج الحقيقي لم يكن من “ضعف العرض” كما ادّعى، بل من كون الفنان صاحب العمل لا يشبهه، ولا يدين بالولاء السياسي الذي يُريح دمشقي ومرجعيته التحريرية.

فالصحافي الذي اعتاد أن يكتب من خلف متاريس الانتماء، لا يحتمل أن يرى فنانًا يعتلي المسرح بكامل حريته، يسخر، ينتقد، يضحك ويبكي، من دون أن يطلب الإذن من أحد.

والمؤسف أكثر، أن مقال دمشقي لم يكتفِ بالتحامل، بل استخدم عبارات تنمّ عن ازدراء واضح لمضمون المسرحية ولجمهورها، وكأنّ الحضور لا يفقهون ما يشاهدون، أو كأنّ الضحك الشعبي لا يستحق التقدير إذا لم يُمرَّ عبر مرشّحات النخبة المتذاكية.

اتهام العرض بالسطحية، واتهام الفنان بالرجعية، ومحاولة نسف المشهد كله ببضعة أسطر ملغومة، لا تفضح العرض، بل تفضح صاحب المقال.

صحافي لا يفرّق بين الكوميديا الساخرة والمهزلة، بين المسرح الشخ
صي والتقرير السياسي، فأسقط فشله في الفهم على خشبة لا تشبهه.

ولعلّ أكثر ما يثير الشفقة في كل هذا، هو أن المقال نُشر في جريدة الأخبار، المستنقع الإعلامي الذي بات مأوى لكل من فاته قطار المهنية، ولكل قلم أدمن الحبر المؤدلج.

صحيفة لم تعد تُخفي انحيازها الأعمى، ولا تحترم حتى المبادئ الأولية في العمل الصحافي، بل تحوّلت إلى منبر لمحاسبة الفنانين على مواقفهم، لا على فنهم.

أما أحمد دمشقي نفسه، فيبدو أن غايته من المقال لم تكن أبدًا نقد العرض، بل جذب بعض الضوء إليه.

صحافي مغمور، مجهول من الجمهور، قرر أن يهاجم جو قديح، لعلّه يحظى ببضع مشاركات، أو يوقظ اسمه في محركات البحث.

وربما، كأي “حبيب أمّه” مدلّل، ظنّ أن الهجوم على فنان معروف هو أقصر طريق إلى الشهرة، دون أن يدرك أن الأضواء لا تُمنح بالصراخ، بل بالمضمون.

حسنًا، ها نحن نحقق له حلمه.
لكنّنا أيضًا نُعرّيه.

نُعرّي منطقه، حقده، وتفكيره الأحادي الذي يرى في أي فنان حرّ خطرًا على “الثوابت”، وفي أي ضحكة غير مأذون بها “خيانة”.

وما كتبه لم يكن سوى ارتكاسة إعلامية تُظهر كم باتت بعض الأقلام رهينة أجندات تكره الفن، وتخاف من صوته، وتنتقم منه عندما لا يسير على هواها.

أما الحديث عن نهاية العرض، وعن لحظة مواجهة الفنان لمعركته مع السرطان، فهو أوضح نقطة في كشف نية الكاتب: لم يحتمل الصدق، ولم يتحمّل الشجاعة.

ذلك لأن أحمد دمشقي لا يكتب عن الفن، بل يكتب عن ما يُزعجه شخصيًا، وعن من لا يستطيع السيطرة عليه.

الصحافة ليست مطية لتفريغ أحقاد. ولا المنابر الثقافية صالحة للكيد السياسي.

وما فعله دمشقي في مقاله، لا يُعبّر عن رأي، بل عن أزمة.

أزمة صحافي قرر أن يخوّن فنانًا لأنه لا يشبهه.

وأزمة جريدة تعتقد أن الفن يجب أن ينحني مثلها.

اخترنا لك