بقلم غسان صليبي
انا ابن الجنس
بين إمرأة ورجل،
مثلكِ ومثلكَ
ومثلكم جميعاً.
لا ليست المسألة
بديهية
لا في الزمن الغابر
ولا في الزمن الآتي.
يُقدّر عمر الكائنات الحية
على هذه الأرض
ما ين ٣،٦ و٣،٨ مليار سنة،
وكانت تتكاثر
بالانقسام على نفسها إلى نصفين،
أي ان الكائن الحي
كان يولّد بنفسه ولوحده
الكائن الحي الآخر
الذي يكون شبيهه تماماً.
منذ حوالي الملياري سنة
ومن خلال مسيرة بطيئة وطويلة
وتحولات بيولوجية متراكمة،
ظهر الجنس كعلاقة بين كائنين حيين
ينتج عنها ولادة كائن جديد.
ظهور الإنسان
من بين هذه الكائنات
جاء في مرحلة متأخرة،
ترجعه الاكتشافات العلمية
الى حوالي ٣٠٠ الف سنة قبل المسيح،
فيما يخمّن آخرون
بأن عمر هذا التواجد على الأرض
هو أكثر من مليوني سنة.
الإنسان
هو من الكائنات الحية
التي تتكاثر عبر علاقة جنسية
بين امرأة ورجل،
منذ ولادة البشرية وحتى اليوم.
الإنسانية كما نعرفها
هي ابنة الجنس،
وما ولّده من تنوع عند الافراد
انعكس دون شك
على الحضارة الإنسانية
بشكلها الحالي.
غير أن الإنسانية
بدأت للأسف الشديد
تنقضّ على نفسها
وتروّج للاستنساخ clonage
الذي يعيدنا الى اول طريقة تكاثر
عند الكائنات الحية،
عندما كانت تتوالد
من خلال الانقسام على نفسها.
جعل منا الجنس
أبناء وبنات الانسان الآخر،
نستمد منه ونتبادل معه
أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا،
في حين ان الاستنساخ
سيفصلنا عن هذا الآخر
ويجعلنا نتقوقع على ذواتنا
مولّداً عندنا
أفكاراً ومشاعر وسلوكيات
تغذي فرديتنا
مقابل غربة وجودية مع الآخر.
عانَقَنا الجنس
مع الآخر
وأعطى لعناقنا طعماً لذيذاً
استطيبناه واحببنا تكراره
لما يدخله في نفوسنا واجسادنا
من راحة نفسية وطمأنينة
تنقذنا من الإحساس بالوحدة
في هذا العالم القاسٍ وغير العادل
والمخيف في أحيان كثيرة.
لا أعرف تماماً
الى اين
قد يأخذنا الاستنساخ
اذا ما اخترناه كطريق مستقبلي للتكاثر،
لكن بالطبع الى المزيد من التقوقع والتشابه
بدل الانفتاح والتنوع،
وما يترافق معهما من حضارة إنسانية أخرى
تتكامل مع هيمنة الذكاء الاصطناعي
وانتشار الروبوت
وبداية حلوله محل الإنسان
في الجنس أيضا.
كتبت في عيد ميلادي السابق
“إحتَفِل بالحب وبالصدفة في عيد ميلادك”،
الحب كعلاقة جنسية حنونة
جعلتك تولد من رجل وإمراه،
والصدفة كصدفة التقاء
هذا المني بهذه البويضة
الذي هو انت.
يقولونا لك
“أكرم اباك وامك”
يا ابن ابيك وامك،
وهذا يعني وجودياً
“أكرم الجنس يا ابن الجنس”
وارفع من قيمته
واحمِه من التشوهات التي لحقت بممارساته
ومن النظرة الدونية له
التي بدأت باعتباره “خطيئة اصلية”.
لا يمكن للجنس
أن يكون خطيئة اصلية
لأنه أصلك،
فاحترم اصلك
بالنظرة وبالممارسة،
وتمسك بهذا التحوّل البيولوجي
المبدع والخلّاق،
ولا تسمح بالعودة
الى أكثر من ٣ مليارات سنة الى الوراء
بإسم التقدم والحداثة والتكنولوجيا.
مع ان مواقف الشعوب العربية من الجنس
متناقضة لدرجة الانفصام،
غير أن اللغة العربية
ربما تنفرد من بين اللغات
بإستخدام كلمة جنس
بدل صنف او نوع espece،
للدلالة على “الجنس البشري”
،l’espece humaine
وكأن باللغة العربية تريد ان تقول
انه اذا ذهب الجنس
ذهب معه النوع البشري.