النظام اللبناني بين التحديات والفرص…

مسؤولية دعم الفكر المعتدل ومرجعية العلامة علي الأمين

بقلم مسلم العاملي

يشهد لبنان اليوم مرحلة دقيقة ومفصلية في تاريخه السياسي والاجتماعي، حيث يتطلع المواطنون إلى النظام اللبناني الجديد بكل مكوناته – من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء – لتحقيق الاستقرار والتعايش الوطني. ورغم الصعوبات والتحديات التي يواجهها هذا النظام، يبقى الفكر المعتدل أحد العناصر الأساسية التي يمكن أن تساعد لبنان على تخطي أزماته وتجنب الانقسامات الطائفية والمذهبية.

في هذا السياق، يُعدّ العلامة السيد علي الأمين أحد أبرز الشخصيات الفكرية والسياسية التي تمثل الاعتدال الشيعي في لبنان والعالم العربي. فالسيد علي الأمين لا يقتصر تأثيره على الطائفة الشيعية فقط، بل يمثل مرجعية إسلامية عربية تساهم في بناء جسور الفهم المشترك بين جميع المكونات اللبنانية والعربية. فكره الناصع في دعم المساواة والعدالة، ورفض التطرف، يجعله صوتًا مهمًا يجب أن يُسمَع في هذا الوقت الحرج.

وفي هذا السياق، يبرز السيد علي الأمين كامتداد للإمام موسى الصدر الذي كان أول من دافع عن الاعتدال الشيعي في لبنان، وجعل مشروع الدولة الوطنية أولوية. كان الصدر شخصية جامعة حظيت بتقدير كافة الطوائف اللبنانية، حيث ركز على

التعايش والعدالة الاجتماعية. السيد علي الأمين، الذي سار على نفس النهج، أصبح اليوم الرمز الأكثر تمثيلاً للاعتدال الشيعي في لبنان، مما يجعله أيقونة حقيقية في مواجهة التطرف الطائفي. وفي هذا الإطار، تتجلى رؤية السيد علي الأمين امتدادًا لرؤية الإمام موسى الصدر، حيث يلتقيان على قناعة راسخة بأن الاعتدال الديني ليس ترفًا فكريًا أو خيارًا هامشيًا، بل هو ضرورة وطنية ووجودية، تمليها مسؤولية الحفاظ على وحدة لبنان وصون هويته الجامعة في وجه رياح التطرف والانقسام.

الإقصاء والتهميش: تداعيات فكرية وسياسية

لكن الواقع المؤلم يشير إلى أن السيد علي الأمين، رغم مكانته الفكرية والدينية، قد تعرض لإقصاء وتهميش من بعض القوى السياسية في لبنان. هذا الإقصاء، الذي يتبعه غالبًا رفض دعم الشخصيات المعتدلة في ظل تعاظم الخطابات الطائفية، يعزز من صعود القوى المتطرفة ويجعل البيئة السياسية اللبنانية أكثر انقسامًا. بدلاً من بناء جسر للسلام والتعايش، تُركت الساحة مفتوحة للأفكار المتشددة التي تستغل التوترات الطائفية لتحقيق أجنداتها الخاصة.

لكن المثير في الأمر هو أن الإقصاء لا يأتي فقط من القوى المتطرفة، بل يأتي أيضًا من بعض الشخصيات التي تدعي أنها تمثل الاعتدال، بينما في الواقع تسعى فقط للتسلق على أكتاف

الاعتدال الحقيقي الذي قدم تضحيات جسام من أجل مشروع الدولة. هؤلاء لا يعبرون عن الفكر المعتدل الحقيقي، بل يستخدمون هذه الادعاءات لتحقيق مصالح شخصية أو سياسية ضيقة. في الوقت نفسه، يواصلون تهميش الأصوات التي تحمل مشروعًا حقيقيًا لبناء لبنان الدولة، لا لبنان المحاصصات الطائفية.

تعزيز الدور الاجتماعي: الفكر المعتدل في مواجهة التحديات الاجتماعية

من المهم الإشارة إلى أن الفكر المعتدل الذي يمثله السيد علي الأمين لا يقتصر على المواقف السياسية فقط، بل يمتد ليشمل القضايا الاجتماعية والاقتصادية. في لبنان، حيث تزداد الفجوات الاجتماعية وتفشي الفقر والبطالة، يمكن للفكر المعتدل أن يكون حلًا عمليًا في مواجهة هذه التحديات. يمكن لهذا الفكر أن يعزز من العدالة الاجتماعية عبر دعم التنمية المستدامة، والتأكيد على أن الاعتدال ليس فقط في المواقف الدينية والسياسية، بل أيضًا في البحث عن حلول اقتصادية تضمن حياة كريمة لجميع اللبنانيين.

التحديات الخارجية والدور الإقليمي

لا يمكننا إغفال التحديات الإقليمية والدولية التي يواجهها لبنان، والتي قد تزيد من تعقيد الوضع الداخلي. إلا أن الفكر

المعتدل الذي يمثله السيد علي الأمين يمكن أن يكون عنصرًا إيجابيًا في تعزيز الاستقرار الإقليمي. في ظل التقلبات التي تعيشها المنطقة، يمكن للبنان أن يستفيد من سياسة معتدلة تقف ضد التدخلات الخارجية، وتساهم في تحقيق الاستقلالية الوطنية، وتعزز من علاقات لبنان مع المجتمع الدولي على أسس الاحترام المتبادل والتعاون في مختلف المجالات.

مسؤولية النظام اللبناني الجديد

النظام اللبناني الحالي، الذي تولى السلطة مؤخرًا، يقع عليه عبء ثقيل في إظهار مصداقيته أمام الشعب اللبناني والمجتمع الدولي. إذا كانت القيادة اللبنانية قد تعهدت بتوجيه البلاد نحو الاستقرار وتعزيز التعايش بين الطوائف والمذاهب المختلفة، فلا بد من دعم الأصوات المعتدلة مثل السيد علي الأمين. هذه الأصوات تمثل الطريق الصحيح لإبعاد لبنان عن محنة الطائفية المدمرة والتطرف العنيف.

إن تركيز القيادة اللبنانية على دعم الشخصيات المعتدلة والمستقلة، وتوفير منصة حرة لها لتعبّر عن رؤاها في حل قضايا لبنان، سيكون الخطوة الأولى نحو بناء لبنان ديمقراطي، قائم على العدالة والمساواة. إن دعم مرجعية دينية معتدلة مثل السيد علي الأمين يعني دعم الفكر الذي يرفض الانقسامات الطائفية ويعزز من المصالحة الوطنية.

الطريق إلى الوحدة والتعايش

إذا كان النظام اللبناني الجديد يريد فعلاً أن يكون على مستوى الوعود التي قطعها للشعب اللبناني، عليه أن يتبنى استراتيجية شاملة لدعم الفكر المعتدل على مستوى كافة الطوائف والمذاهب. هذا لا يعني فقط الحفاظ على توازن السلطة السياسية بين الطوائف، بل أيضًا دعم الحوار الفكري والبحث عن حلول تشاركية تسهم في تعزيز الوحدة الوطنية في وجه التحديات الإقليمية والدولية.

لا وقت للتراخي

لم يعد هناك وقت للتراخي والاستهتار في تحمل المسؤوليات اتجاه دعم الاعتدال الشيعي الحق من أجل الحفاظ على الجذور الوطنية للطائفة الشيعية وعدم انسلاخها فكريًا عن تاريخ وجغرافيا لبنان. لبنان لا يتحمل المزيد من الانقسام ولا من تضييع الفرص في لحظة تاريخية حساسة. يجب أن يُبذل كل جهد ممكن لدعم الفكر المعتدل كما يمثله السيد علي الأمين، لأن هذا الفكر ليس فقط وسيلة للمصالحة الداخلية، بل هو ضمانة للمستقبل اللبناني الذي يعكس الهوية الوطنية الجامعة.

توصيات عملية لتعزيز الاعتدال وبناء الدولة

ولأن تعزيز الاعتدال لا يتحقق بالشعارات فقط، بل بالسياسات والخطوات العملية، فإن المرحلة تتطلب من النظام اللبناني، ومن كافة القوى السياسية والمدنية، العمل وفق توصيات ملموسة، منها:

1. تمكين الشخصيات الدينية والفكرية المعتدلة وإشراكها في الحوارات الوطنية وصياغة السياسات العامة.

2. إنشاء مجلس وطني استشاري للفكر المعتدل، يضم ممثلين عن مختلف الطوائف والتيارات الفكرية المعتدلة، تكون مهمته رفع التوصيات للحكومة ومجلس النواب.

3. إصلاح المناهج التربوية لترسيخ قيم الحوار، وقبول الآخر، والتعددية، بما يعزز مناعة المجتمع أمام الفكر المتطرف.

4. دعم الإعلام الحر والمسؤول الذي يروج لخطاب الوحدة والمصالحة، ويعطي مساحة عادلة لأصوات الاعتدال الوطني.

5. تمويل مبادرات المجتمع المدني الهادفة إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفقر، وتمكين الشباب من لعب دور في إعادة بناء الدولة على أسس المواطنة لا الطائفة.

6. ضمان حماية دستورية لحرية الفكر والتعبير، وتجريم التحريض الطائفي والخطاب المذهبي العنفي.

إن تجاهل الفكر المعتدل والتهميش المتعمد للمرجعيات الدينية العاقلة مثل السيد علي الأمين لا يضر فقط بلبنان، بل يعزز من سيطرة القوى المتطرفة على الساحة السياسية. لذلك، فإن دعم الاعتدال لم يعد خيارًا ثانويًا، بل هو واجب وطني وأخلاقي. والنظام اللبناني، إذا أراد الوفاء بوعوده أمام الشعب، عليه أن يبدأ بخطوة شجاعة: إعادة الاعتبار للاعتدال، ومأسسته في صلب القرار السياسي، من أجل إنقاذ لبنان من أزماته المتراكمة، ووضعه على سكة الدولة المدنية العادلة.

اخترنا لك