خلافات حركة فتح : خطر داهم على المخيمات في لبنان

بقلم بلال مهدي – خاص بوابة بيروت

في خضمّ ما يشهده الإقليم من تحولات سياسية وأمنية عميقة، يبدو أن المخيمات الفلسطينية في لبنان تعيش على وقع أزمة متفاقمة، لا تتعلق فقط بالضغوط الاقتصادية والمعيشية، بل بما هو أعمق وأخطر. الانقسام الداخلي الفلسطيني، وتحديدًا داخل مؤسسات حركة “فتح”، وما يحمله من تهديد وجودي للاستقرار الاجتماعي والأمني داخل هذه البقع الهشّة.

وقد جاء البيان الأخير الصادر عن عوائل وأسر شهداء “فتح”، بمثابة ناقوس خطر ينذر بانفجار اجتماعي داخل المخيمات، حيث كشف المستور عن حجم التباينات المؤسسية والصراعات الخفية، بين مرجعيات متعددة تتنازع الصلاحيات والتأثير، على حساب كرامة وحقوق من قدّموا أبناءهم فداءً لفلسطين.

أولياء الشهداء ينتفضون : خيبة واتهامات

في بيانهم، عبّر أهالي الشهداء عن إحباط عميق من أداء مؤسسة أسر الشهداء والجرحى، التي من المفترض أن تكون حاضنة لحقوقهم وضمانًا لكرامتهم. لكن الواقع، كما كشف البيان، مختلف تمامًا: تغطية صحية جزئية، مساعدات مفقودة، فجوات مالية غامضة، وتسيير معاملات مهين.

اتهم الأهالي بعض موظفي المؤسسة بـ”الخشونة وقلة الاحترام”، وحمّلوا مسؤولية الإهمال الإداري وتسييس التقديمات إلى مرجعيات عليا. وقد أشاروا إلى وجود محسوبيات صارخة في صرف المساعدات، واستثناء عائلات “غير محسوبة” على هذا الطرف أو ذاك.

الأخطر من ذلك، أن البيان وجّه اتهامات مبطّنة إلى أطراف داخل “فتح” في لبنان، تتبع جهات متضاربة، ما يعني أن المؤسسة التي يُفترض أن تكون موحّدة وحيادية، تحوّلت إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية، على حساب من دفعوا الثمن الأغلى.

الصراع الصامت من المؤسسات إلى الأزقّة

بحسب مصادر ميدانية تحدثت لـ”بوابة بيروت”، فإن الخلاف داخل مؤسسات “فتح” لا يقتصر على الملف المالي أو الإداري، بل يتجاوز ذلك إلى انقسام عمودي بين جناح يدور في فلك السفير أشرف دبور، وآخرين يرتبطون بقيادات خارج لبنان. هذا الانقسام، وإن لم يظهر بعد بشكل عنفي، ينعكس توترًا في الأحياء والمربعات الأمنية داخل بعض المخيمات، وخصوصًا في عين الحلوة وبرج البراجنة والبداوي.

وقد رُصد في الأسابيع الأخيرة تبديل مفاجئ في مواقع المسؤولين الميدانيين، وقرارات إدارية متناقضة، وإلغاء برامج دعم كانت قائمة، واستحداث أخرى دون إعلان رسمي، ما يؤشر إلى حالة من الفوضى البنيوية داخل أطر “فتح” في لبنان.

المخيمات على فوهة انفجار اجتماعي

لا يخفى أن المخيمات الفلسطينية تعيش منذ سنوات في ظروف إنسانية قاسية، تزداد سوءًا مع كل أزمة لبنانية. لكن عندما يتحول الانقسام السياسي إلى تعطيل مباشر لخدمات الطبابة والتعليم والإغاثة، فإن تداعيات ذلك قد تكون مدمّرة.

الأهالي الذين تحدثوا لـ”بوابة بيروت” عبّروا عن خشيتهم من أن يؤدي الانقسام المؤسسي إلى صدامات داخلية، أو إلى ردات فعل شعبية غير مضبوطة. أحد أبناء الشهداء قال: “لا نريد أن ندفع الثمن مرّتين: مرة حين قدّمنا أبناءنا، ومرة حين تُذلنا المؤسسات باسمهم”.

الغياب الرسمي والتقصير الدولي

رغم خطورة ما يحصل، لا يبدو أن هناك حراكًا رسميًا فلسطينيًا موحّدًا لمتابعة هذا الملف. مؤسسة أسر الشهداء والجرحى في رام الله لم تُصدر أي توضيح رسمي حتى اللحظة، فيما يتفرّج السلك الدبلوماسي الفلسطيني على ما يجري بصمت مطبق.

وفي الوقت نفسه، يغيب الصوت الدولي، وخصوصًا وكالة “الأونروا”، التي تكتفي بمراقبة الوضع دون تدخل جدي، رغم ما تحمله من مسؤوليات في إدارة الأزمات داخل المخيمات.

التحذير الأخير قبل الانفجار

تحذّر تقارير ميدانية من أن استمرار هذا المسار قد يُفضي إلى تفكك بنيوي داخل التنظيمات الفلسطينية، وخصوصًا “فتح”، وإلى اشتباكات اجتماعية قد تتحول إلى أمنية. ووسط هذا الانقسام، يفقد اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أي أمل بتغيير واقعهم، أو نيل الحد الأدنى من حقوقهم.

ختامًا، يبدو أن المشكلة في “فتح” ليست فقط في إدارة ملف الشهداء، بل في فقدان البوصلة الوطنية. وإذا لم تتدخّل القيادة الفلسطينية العليا فورًا لوضع حدّ لهذه الفوضى، فإن المخيمات قد تتحول قريبًا إلى بؤر انفجار داخلي تُهدّد ما تبقى من السلم الأهلي الهش.

اخترنا لك