حين يتحوّل الوطن إلى وهم جميل…

بقلم خلود وتار قاسم

نعيش في لبنان وكأننا داخل حلمٍ قديم… حلمٌ لطالما راودنا منذ الطفولة عن وطنٍ يحتضن أبناءه، عن دولة عادلة، عن شاشاتٍ تنقل الحقيقة لا الفتنة، عن إعلامٍ يوحّد لا يفرّق، عن سلطة تحكم باسم الشعب لا ضده… لكننا نستفيق كل يوم على وهم يتكرّر، وكأننا أسرى في مسرحية عبثية، لا نملك حتى حق الاعتراض على النص أو تغيير المشهد.

نحن لا نُحبط الناس، ولا نسرق الأمل من القلوب، لكن من واجبنا أن نشير إلى المؤشرات التي تحيط بنا: إعلامٌ ملوّث يقتحم بيوتنا كل يوم، يخاطبنا بمكر، يغذّي الانقسام الطائفي والمناطقي بأساليب ذكية وخبيثة. يضخّم الاستثناءات ليجعل منها قاعدة، يسلّط الضوء على سلوكيات شاذة لبعض الطوائف ليوهمنا أن لبنان لم يعُد واحدًا، بل مجموعات متنافرة لا تلتقي.

وهكذا، نبدأ نُقنع أنفسنا، دون وعي، أن الانفصال هو الحل، أن التقسيم هو المخرج، أن العيش مع الآخر خطرٌ يجب تجنّبه… يا للمهزلة!

دائمًا، في هذا البلد، هناك تمهيد مدروس ومدعوم لكل فكرة مشبوهة قبل أن تُفرض علينا كأمرٍ واقع. حين كنا نحن – نساءً ورجالاً – نصرخ على المنابر، نطالب بلبنان السيادة، بلبنان الموحد، بلبنان العدالة والمساواة بين مواطنيه… كانت هناك بالمقابل أصوات خفيّة تعمل بصمت على تقويض كل فكرة وحدوية، تدعم النزعات الانفصالية، تموّل خطاب الكراهية، وتغرس بذور الشك بيننا.

نحن لم نسكت يومًا. قاومنا الفساد، وطالبنا بحق النساء في القرار، ورفعنا الصوت لحماية حدودنا وهويتنا الجامعة، لكن يبدو أن مشاريع التفتيت كانت أكبر من أصواتنا، وأمضى من نوايانا الطيبة.

اليوم، لا نحتاج إلى خيال واسع لنُدرك أن هناك من يسعى لسلخ لبنان عن نفسه، قطعةً تلو الأخرى: من حدودنا الجنوبية إلى عمق عقولنا. واليوم، لم تعُد فكرة التقسيم مجرّد هاجس، بل مبادرات تُطرح علنًا، بأسماء وأشكال براقة، لكنها تحمل في طيّاتها مشاريع موت جماعي ببطاقات دعوة “سيادية”.

فيا لبنانيين، انتبهوا: كلّما رسمنا حدودًا بيننا، فإننا نبدأ أول خطوة نحو الانتحار الجماعي.

لننظر إلى من يتشارك حدودنا… ماذا حلّ بهم؟ ألم تكن البدايات مثلنا: كلام عن “الحقوق”، عن “الخصوصية”، عن “الكرامة”؟ ثم تحوّل كل شيء إلى خراب ودمار وشتات.

فلنتوقف عن النظر تحت أقدامنا… ولنرفع رؤوسنا قليلاً لنرى أبعد من لحظتنا… لأن من لا يرى إلا نفسه، لا ينجو.

نعم، نحن نحب لبنان، نحلم به وطنًا حقيقيًا، لكن حتى مفهوم “الوطن” بات نسبيًا… كلٌّ يراه من زاويته، ويفسره بحسب مصالحه أو وجعه… وحتى “الخير” لم يعُد موحّدًا.

فلنعد قليلاً إلى أنفسنا، ولنحمِ هذا الوطن من داخلنا قبل أن يأتي من يلتهمه من خارجه.

حتى يفرجها الله علينا… صباح الخير يا وطن، صباحكم أمل رغم كل شيء.

اخترنا لك