بقلم د. عبد العزيز طارقجي
في لحظة حرجة تمر بها المملكة العربية السعودية، وفي ظل إنجازات غير مسبوقة على الصعيدين الإقليمي والدولي، اختارت منظمة العفو الدولية إصدار تقرير يستهدف المملكة ويتهمها بزيادة عمليات الإعدام، خصوصًا في جرائم المخدرات، متجاهلة التحولات الجذرية التي تقودها رؤية 2030، والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
توقيت التقرير يثير الاستغراب، ويفتح الباب للتساؤل: هل أصبحت بعض الجهات تستخدم شعارات “حقوق الإنسان” كأداة لتصفية حسابات سياسية؟
الإشكالية القانونية: العدالة في السعودية أم انتقائية دولية ضاغطة؟
تستند “العفو الدولية” إلى بيانات تفيد بأن عام 2024 شهد تنفيذ 345 حكم إعدام في السعودية، أكثر من ثلثها في قضايا مخدرات، وأن 75% من المحكوم عليهم كانوا من الأجانب.
الرد القانوني السعودي
سيادة القضاء: المملكة تنفذ الأحكام القضائية وفق إجراءات قانونية صارمة تضمن استنفاد جميع درجات التقاضي، كما تؤكد الجهات الرسمية أن كثيرًا من هذه القضايا ترتبط بجرائم تهدد أمن الدولة والمجتمع، بما فيها الإرهاب.
مطابقة القانون الدولي: لا يتطلب القانون الدولي توحيد العقوبات، بل يمنح الدول حرية التشريع بما يحفظ أمنها، طالما أن المحاكمات عادلة.
واقع المخدرات: السعودية تواجه حربًا غير تقليدية عبر شبكات تهريب مخدرات تستهدف المجتمع، ما يبرر القوانين الصارمة كأداة حماية وطنية.
الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية: حقائق لا يمكن تجاهلها
رؤية 2030: خطة تنموية شاملة تقود تحوّلًا اقتصاديًا ومجتمعيًا تاريخيًا، مع التركيز على تمكين المرأة، تنويع مصادر الدخل، وتوسيع المشاركة الثقافية.
الدبلوماسية التصالحية: السعودية قادت مصالحة خليجية تاريخية، وأسهمت في تهدئة النزاعات الإقليمية ضمن نهج توافقي يعزز الأمن العربي.
مبادرات السلام: المملكة طرحت مبادرات سلام في اليمن وسوريا وليبيا، ما يعكس نهجها القائم على الحلول السياسية لا الحروب.
محمد بن سلمان: قائد التغيير وصانع التوازن
سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يقود تحولًا استراتيجيًا بموجب خطة وطنية طموحة:
إلغاء قيود اجتماعية تاريخية وتعزيز الحريات الفردية.
إطلاق مشاريع تنموية كبرى وتحرير الاقتصاد من الاعتماد على النفط.
دعم المبادرات الإنسانية والإغاثية في غزة، والسودان، واليمن، وغيرها.
مساعٍ دولية لمنحه جائزة نوبل للسلام نظير جهوده في إرساء الأمن الإقليمي ومحاربة التطرف.
توقيت التقرير: استهداف سياسي أكثر من كونه حقوقي
يتزامن التقرير مع موجة عالمية من الإشادة بالإصلاحات السعودية، خصوصًا بعد اتساع الدعوات الدولية لمنح ولي العهد جائزة نوبل للسلام.
يظهر بوضوح أن هناك من لا يروق لهم صعود دولة عربية مستقلة بمشروع تنموي وسيادي ناجح، فيحاولون إعاقة هذا الصعود عبر أدوات “حقوقية” مشكوك في حيادها.
تحديات مصداقية منظمة العفو الدولية
يفترض أن تكون “العفو الدولية” صوتًا إنسانيًا محايدًا، لكن تقريرها الأخير جاء محمّلًا بالمصطلحات المشحونة سياسيًا مثل “زيادة مفزعة”، دون تقديم أدلة قانونية متماسكة، ولا تفريق بين تنفيذ الأحكام القضائية وممارسة انتهاكات ممنهجة.
أصبح واضحًا أن بعض تقارير المنظمات الدولية باتت تستخدم لغة حقوق الإنسان كغطاء لمعارك أيديولوجية ومواقف سياسية مغلّفة.
بين الردع والعنف: تفكيك مغالطة
الزعم بأن “المملكة لم توضح سبب الزيادة في تنفيذ الأحكام” يتجاهل أن كل الأحكام تستند إلى محاكمات قضائية مكتملة الأركان، وأن الهدف منها هو الردع، خصوصًا في مواجهة قضايا تمس أمن المجتمع، مثل تهريب المخدرات والإرهاب.
فالسعودية اليوم تبني استقرارًا داخليًا قائمًا على العدالة والتنمية، وتقود مشاريع خارجية ترسّخ مفاهيم السلام والأمن الإقليمي. ومن الظلم أن تُصوّر بهذا الشكل المغلوط، وكأنها خصمٌ للحقوق، وهي في الواقع حليف للتنمية والإنسان.
فإن كان صوت التنمية يُزعج البعض، فليكن. أما الحقيقة، فلا يُمكن تغييبها بتقارير موسمية ومصطلحات منمّقة.
«أيها العالم، إن السعودية تقف اليوم في قمة التحديات والإصلاح، والمطلوب منكم الوقوف خلف مساعيها لا الوقوف أمامها، لأنها تبني وتصلح وتؤسس للسلام بالتحولات لا بالشعارات»
وفي نهاية هذا المقال، لا بد من التأكيد على أن احترام القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان يقتضي الالتزام بمبادئه الأصيلة، لا توظيفه بما يخدم أجندات سياسية أو حملات ممنهجة لتشويه دول بعينها.
إن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وُجدت لحماية الكرامة الإنسانية، لا لاستهداف دول تسير بخطى واثقة نحو الإصلاح والتقدم.
لست في هذا المقام بصدد الدفاع عن المملكة العربية السعودية، فهي ليست بحاجة إلى من يدافع عنها، لا أنا ولا غيري. إنما ما استفزني كمدافع عن حقوق الإنسان هو ما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية من مغالطات، وخروج مقلق عن السياق الحقوقي الموضوعي إلى إطار يُشتمّ منه رائحة التسييس والانحياز.
أتحدث من موقع الحياد والمصداقية، ومن منطلق محبة لدولة تمثّل، برأيي، عمقًا عربيًا حرًا، وسندًا لقضايا المنطقة في زمن يزداد فيه النفاق الدولي وتتقدّم فيه المصالح السياسية على المبادئ.
وإننا إذ ننتقد، ننتقد لأجل الحقيقة، ولأجل ألا تُفرَّغ المبادئ الحقوقية من مضمونها الإنساني، وألا تتحول التقارير الحقوقية إلى أدوات في أيدي من يُزعجهم صوت التنمية، وقلقهم من استقرار الشعوب وصعود الأمم المستقلة.
* باحث في الانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان – صحافي استقصائي ومتخصص في قضايا مكافحة الإرهاب