من جرّ لبنان إلى القائمة السوداء؟

"حزب الله" والنظام الإيراني أولًا… والدولة اللبنانية شريك بالصمت والتخاذل

بقلم د. عبد العزيز طارقجي

في تطوّر بالغ الخطورة، أدرج الاتحاد الأوروبي لبنان على قائمته للدول “عالية المخاطر” في مجالي غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

هذا القرار، الذي يتجاوز في دلالاته التقنية إلى أبعاد سيادية وأمنية عميقة، لا يأتي من فراغ. فلبنان، الذي كان يومًا “سويسرا الشرق”، أصبح اليوم دولة شبه منهارة اقتصاديًا، معزولة ماليًا، ومطوّقة سياسيًا، بفعل الهيمنة الإيرانية الكاملة عليه عبر ذراعها “حزب الله”.

حزب الله، البوابة الرئيسية لانهيار الدولة

المسؤول الأول عن وصول لبنان إلى هذا المنحدر هو “حزب الله”، الذي حوّل الدولة إلى واجهة، والسيادة إلى وهم. فمنذ أن استحوذ الحزب على القرار السيادي اللبناني، بدعم وتمويل وتوجيه مباشر من الحرس الثوري الإيراني، صار لبنان حقلًا لتجارب طهران الإقليمية. لا حدود تُحترم، لا قرارات دولية تُنفذ، لا سياسة خارجية تُدار من بيروت، بل من قم أو الضاحية الجنوبية.

“حزب الله” متهم دوليًا بتهريب السلاح والمخدرات، وتبييض الأموال، وتمويل الإرهاب في عدة قارات. إدراج لبنان في اللائحة الأوروبية السوداء ليس إلا نتيجة طبيعية لوجود حزب مسلّح يعمل خارج القانون، ويُغرق المؤسسات الشرعية بشبكات مالية موازية غير خاضعة لأي رقابة وطنية أو دولية.

إيران، الاحتلال المقنّع

لبنان لم يعد مجرد ساحة نفوذ إيراني، بل بات رسميًا دولة محتلة سياسيًا وأمنيًا من قبل النظام الإيراني، عبر واجهته المحلية. الوجود الإيراني لا يتجلّى فقط في السلاح والقرار السياسي، بل في الاقتصاد الموازي، والمؤسسات الأمنية والعسكرية البديلة، والثقافة التي تُفرض على المجتمع، والاغتيالات التي طالت كل صوت حر حاول فضح هذا الاحتلال.

إن ما يجري اليوم هو تطبيق مباشر لـ ”نموذج الحرس الثوري” في الحكم: تقويض الدولة، بناء اقتصاد رديف، وأدلجة المجتمع، وتمييع السيادة حتى تصبح الدولة بلا دولة.

الدولة اللبنانية شريك في الجريمة بالصمت والتقاعس

لكن لا يمكن تبرئة الطبقة الحاكمة اللبنانية التي، بالصمت حينًا، والتواطؤ أحيانًا، سمحت لـ “حزب الله” بترسيخ دولة داخل الدولة، ثم دولة بدل الدولة.

أين الدولة من اغتيال لقمان سليم وجبران تويني وسمير قصير ومحمد شطح؟

أين الدولة من تحقيق مرفأ بيروت؟

أين الدولة من تهريب الكبتاغون إلى الخليج؟

أين الدولة من مئات الشحنات المالية غير المشروعة التي خرجت من مطار بيروت إلى الخارج؟

إن تقاعس الدولة عن ضبط حدودها، واستعادة قرارها، ومحاسبة أدوات الهيمنة، جعلها تتحوّل من ضحية إلى شريك مباشر في تكريس الانهيار، وفقدان الثقة الإقليمية والدولية.

أوروبا والعالم يرفعون البطاقة الحمراء… فمن يوقف النزيف؟

يعتبر قرار الاتحاد الأوروبي صفعة مدوية لكل من يروّج أن “حزب الله جزء من النسيج اللبناني”، أو أن إيران “شريك في الاستقرار”. العالم لم يعد يحتمل النفاق السياسي اللبناني، ولا ازدواجية التعامل مع الشرعية.

اليوم، لبنان أمام مفترق طرق حاسم، إما تحرير الدولة من الهيمنة الإيرانية، أو السقوط الكامل في العزلة والعقوبات والمجاعات والانهيارات.

الخاتمة، الإنقاذ يبدأ بكسر الهيمنة

لن يُكتب للبنان الخلاص، ما لم يُنزع سلاح “حزب الله”، ويُفك ارتباطه بالأجندة الإيرانية، وتُستعاد السيادة الوطنية كاملة، وتُحاسب الطبقة السياسية على تواطؤها الطويل.

فالأوطان لا تُبنى على صفقات فوق الرماد، بل على المواجهة الصريحة مع الاحتلال – أيًّا كانت أدواته، وأيًّا كانت راياته.


* باحث في الانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان – صحافي استقصائي ومتخصص في قضايا مكافحة الإرهاب

اخترنا لك