“حرس وطني” لاستيعاب “العاطلين عن المقاومة”؟

بقلم طوني عطية

بين الرسالة الأميركية الحازمة والردّ اللبناني الرسمي عليها بشأن تسليم سلاح “حزب الله” ووضعيته المحلية، ظهرت في الآونة الأخيرة، وثيقة مسرّبة صادرة عن “مركز الدراسات الدفاعية في طهران”، وهو جهة لصيقة بـ”الحرس الثوري الإيراني”.

تتمحور وفق ما يتم التداول بها، حول استعداد “حزب الله” للتحوّل إلى “حرس وطني لبناني” بإشراف الدولة. وهو “تشكيل مقاوم شعبي سيادي، يعمل تحت إمرة رئيس الجمهورية اللبنانية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبالتنسيق مع مجلس الوزراء، ضمن إطار السيادة الوطنية”. ورفعت هذا الطرح، إلى مستوى “استراتيجي لا رجوع عنه”.

وتشير الوثيقة التي لم يصدر بحقّها أي نفي أو تأكيد إيراني، إلى أنّ “جميع الأسلحة والقدرات القتالية من الشمال إلى الجنوب، ستُسلَّم تدريجيًّا إلى “الحرس الوطني”، قبل نهاية العام الجاري، بما في ذلك وحدات النخبة، ومخازن الأسلحة، ومراكز القيادة والسيطرة”.

بحسب الوثيقة، “فإن وحدات التصنيع الحربي، التي كانت تابعة للمقاومة، أصبحت رسميًا تحت إشراف الدولة اللبنانية، وتُقدّم تقاريرها التقنية والأمنية السريّة عبر رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء، في إطار حماية سيادية عليا. وتشمل هذه الوحدات إنتاج الذخائر الدقيقة، وتطوير الدفاعات، والطائرات المسيّرة، والصواريخ والمقذوفات بعيدة المدى”.

و”تُدار البنية التحتية السرية والتكاليف التشغيلية المتعلقة بـ” الحرس الوطني” من ميزانية وزارة الدفاع اللبنانية، ضمن اعتمادات محمية، ومن دون رواتب مباشرة للمتطوعين”. كما تنصّ على أنّ “الحرس الوطني اللبناني” يُدرج ضمن “مؤسسة الجندي المجهول” كمكوّن مقاوم واحتياطي استراتيجي، مع غرفة عمليات مستقلة لأسباب تكتيكية تتعلق بسرعة اتخاذ القرار”.

ردًّا على هذه الوثيقة، في حال كانت صحيحة أم مبالغ فيها، يرى مصدر شيعي معارض ومطّلع، أن “حزب الله” (وخلفه إيران) لم يعد بمقدوره فرض شروطه، وهو يعلم أنّ التحوّلات الإقليمية الضخمة والمتسارعة بشكل كبير، أسقطت من يد “محور الممانعة” ورقة عامل الوقت. وهو يعلم أنّ الرهان على صموده والمماطلة بتسليم سلاحه يُعدّان انتحارًا كاملًا لـ”الحزب” وخروج “خالي الوفاض”.

فالتغيير الذي يمكن أن يُنعش “الممانعة” أو إعادة بسط نفوذها، يتطلّب انقلابًا دراماتيكيًّا يُلغي مفاعيل “السابع من أكتوبر” وإعادة عقارب الساعة إلى ما قبله، وهذا من “رابع المستحيلات”، في ظل نظام إقليميّ جديد يتشكّل بوتيرة متسارعة.

استنادًا إلى هذه المشهدية العامة التي ترسو عليها المنطقة، ومع انطلاق قطار التطبيع الأمني ثمّ السلام بين تلّ أبيب ودمشق، وإقفال “الكوريدور” السوري كممرّ استراتيجي لتصدير “الثورة الإسلامية” المحمّلة بالمال والسلاح والكوادر بالشمع الأحمر، بدأ “حزب الله” رحلة البحث عن حقبة ما بعد السلاح.

وبغض النظر عما إذا كانت جديّة أم لا، تؤكّد “الوثيقة” التسليم بالهزيمة. لذا، يهرول إلى حجز مكانٍ له في الواقع الجديد، انطلاقًا من المعادلة السياسة القائلة، إنّه إذا “لم يكن لك مقعد إلى الطاولة، فاعلم أنك على قائمة الطعام”.

ويشدّد المصدر المطّلع، على أن الهمّ الذي يجول دهاليز “الحزب” يتخطّى السلاح. يريد مكاسب سياسية “بدلًا من ضائع”. إذ يعلم أنّ آلته البشرية الضخمة من مقاتلين ومتفرّغين ستتحوّل إلى عبءٍ اقتصادي واجتماعي خطير، لا سيّما مع تجفيف منابع التمويل واستمرار إسرائيل باستهداف أذرعه المالية. يسعى من خلال هذا المقترح الإيراني المُسرّب إلى إيجاد إطار دولتيّ/ مؤسساتي يستوعب “العاطلين عن المقاومة”، فـ”القِلِة تولّد النقار”.

في الختام، إنّ هذا الطرح، غير قابل للهضم محليًّا ولا دوليًّا، فرئيس الجمهورية جوزاف عون وفي إحدى مقابلاته السابقة، رفض أي استنساخ لفكرة “الحشد الشعبي” وما شابهها. وسيلقى اعتراضات داخلية كبيرة، ومخاطر أيديولوجية وانتمائية، فمن يحمل عقل “الحرس الثوري” لن يتحوّل إلى “حرس وطني”.

كما أنّ عقيدة الدولة اللبنانية الجديدة وهذه نقطة جوهرية وأساسية، قد نفضت عنها إلى غير رجعة معادلة “جيش، شعب، مقاومة”، وبالتالي لا حاجة إلى أي “حرس ثوري بلباس لبناني” أو استراتيجيات دفاعية مفخّخة.

اخترنا لك