أقامت حركة “تحرُّر” لقاءً فكريًا – ثقافيًا بمناسبة ذكرى عاشوراء، تحت عنوان: “تاريخ الإحياء العاشورائي في جبل عامل ومراميه الثقافية والاجتماعية والسياسية”، وذلك في البيت الثقافي لمؤسّسة ألف ياء في بلدة قناريت – الزهراني، جنوب لبنان.
اللقاء الذي شهد حضورًا متنوعًا من باحثين ومهتمين، افتُتح بكلمة لسماحة الشيخ سامر غنوي، الذي تناول قيم عاشوراء ومعاني الثورة الحسينية، محذرًا من تحوّل الطقوس إلى “نحيب أبدي يُخدّر الناس بدل أن يحفّزهم على الثورة ضد الظلم”. وأكد أن استذكار كربلاء يجب أن يُنتج وعيًا سياسيًا واجتماعيًا لا مجرد تنفيس عاطفي جماعي، مشددًا على أن المشروع الحسيني هو مشروع عدالة لا سلطة.
تلا ذلك مداخلة مسجّلة للدكتور في الفلسفة واللاهوت التطبيقي وسام ضو، تحدث فيها من وحي الإنجيل عن معاني الألم والتضحية، مؤكدًا أن “الألم ليس غاية بحد ذاته في الإيمان”، بل هو مرحلة قد تصقل النفس، بينما المحبة تبقى هي القيمة العليا التي تنتصر دائمًا على الموت والألم.
وفي محور التأريخ والمراجعة، قدّم الدكتور علي خليفة عرضًا توثيقيًا عن تطوّر إحياء مراسم عاشوراء في جبل عامل منذ مطلع القرن العشرين، لافتًا إلى أن الطقوس بشكلها الحالي دخيلة على المنطقة، وأن الشيعة في جبل عامل لم يكونوا يحيون الذكرى بهذه الصورة العلنية والمضخّمة. وأشار إلى أن عائلات إيرانية استقرت في المنطقة حصلت على سماح خاص من السلطنة العثمانية بإقامة طقوس استُنسخت عن نماذج من شرق أوروبا والهند، وجاءت ضمن مشروع سياسي بويهي-صفوي استُخدم لتثبيت السلطة، وهو ما يتناقض مع روح الحسين الذي لم يسعَ إلى حكم أو سلطة.
أدارت النقاش المحامية حنان جواد، حيث تركزت مداخلات الحاضرين حول السؤال الجوهري: هل تحوّلت الذكرى إلى أداة استغلال سياسي؟، ودعوا إلى إعادة وصل عاشوراء بجوهرها الثقافي والاجتماعي، بعيدًا عن التوظيف الحزبي والمذهبي.
اللقاء الذي خرج عن النمطية التقليدية، شكّل مساحة حوار حرة لإعادة قراءة عاشوراء كقضية وعي لا طقس، وثورة لا بكاء، في محاولة جادّة لاسترداد المعنى الحسيني من بين ركام الشعارات والشحن العاطفي.