دولة بلا سياسة خارجية، أمام عصا وجزرة توم برّاك

بقلم ماهر أبو شقرا

واهمٌ من يرى أية إيجابيّة في كلام توم برّاك بعد تسلّمه الردّ اللبناني. واهمٌ وليس بمدرك للطريقة الأميركيّة في معالجة الأمور. كلام ظاهره إيجابي، إنّما باطنه تهديد غير مباشر. تلك هي سياسة العصا والجزرة بأقوى تجلّياتها.

قال برّاك أنّ معالجة مسألة سلاح حزب الله هي قضيّة داخليّة وسياديّة لبنانيّة. إنّما هو بذلك وضع السلطة اللبنانيّة عند مسؤولياتها. فهو حمّلها، ليس فقط مسؤولية التبعات الداخليّة الناجمة عن إبقاء حزب الله على سلاحه، إنّما أيضاً حرّر إسرائيل من المسؤوليّة في حال هي قامت باستهداف مرافق أو منشآت تابعة للدولة، طالما أنّ الدولة اللبنانية لم تقم بحصر سلاح حزب الله. كما حمّل السلطة اللبنانية مسؤولية تخلّف لبنان عن تحصيل أي مكاسب في التسويات الجديدة القادمة في المنطقة. أي أنّه حمّل السلطة اللبنانية مسؤولية عدم نهوض لبنان من جديد، بعد الكبوات المتلاحقة من الانهيار المالي والاقتصادي وصولاً إلى الحرب الأخيرة. وبالتالي حمّلها مسؤولية ما قد ينجم عن متغيرات كبيرة ديمغرافية وحدوديّة وغيرها.

وأخيراً، هو حمّل السلطة اللبنانيّة مسؤوليّة السقوط عن سلّم الأولويات الدوليّة. أي أنّه لن ينقذ لبنان أحد، وسوف يكون فريسة لإسرائيل وإيران وتركيا. فماذا ستفعل السلطة اللبنانيّة التي ليس لديها سياسة خارجيّة واضحة ومحدّدة ومنطلقة من مصلحتنا الوطنيّة؟ حتى الآن لا شيء.

اليوم، لا بدّ من حصر كلّ السلاح في يد الدولة. غير أنّ ما يهمّ إسرائيل من موضوع حصر السلاح يختلف عن الذي يهمّنا نحن. يهمّ إسرائيل تجريد حزب الله من سلاحه الاستراتيجي والصواريخ البعيدة المدى والمسيرات التي تطالها. أمّا احتفاظ حزب الله بالسلاح الخفيف والمتوسّط فهو حتماً لا يهمّ إسرائيل. بل لعلّها تستفيد من وجود ذاك السلاح بيد ميليشيا دينيّة طائفيّة، لأنّ ذلك قد يقود إلى سباق تسلّح طائفي واقتتال، داخل لبنان ومع سوريا، بشكل يريح إسرائيل.

إنّما في 7 أيار لم تستخدم الصواريخ بل الرشاشات. والاغتيالات حصلت بالعبوات وكاتم الصوت وليس بالمسيّرات. وتهديد القضاة حصل بفعل السطوة الأمنية على جميع المؤسسات. وتهديد الناخبين والضغط عليهم وابتزازهم، وسياسة قبل السحسوح وبعد السحسوح؛ كلّ تلك الأمور كانت دائماً ممكنة ولم تزل بسبب وجود منظومة عسكرية وأمنية يديرها حزب الله. منظومة تسعى للهيمنة على المجتمع وإخضاع الدولة، وكلّه بحجّة حماية ما يسمّى المقاومة. تلك المنظومة هي التي نريد تفكيكها. آخر همّنا إن اطمأنّت إسرائيل. وفي الواقع كنا نودّ لو نستطيع أن نجعلها تخاف. إنّما ما نريده هو أن نطمئنّ نحن. وهذا الاطمئنان يتمّ فقط حين تنجز الدولة تفكيك تلك المنظومة ويتمّ حصر كلّ السلاح بيد الدولة.

لا يغيب عن بالنا أنّ الدولة لا يمكن أن تمسك بزمام الأمور بشكل مستدام إذا لم تكن دولة قويّة وقادرة. والدولة القادرة تحتاج إلى تغييرات عميقة في النظام السياسي اللبناني، وليس إعادة ترتيب التوازنات الطائفيّة وفق المتغيرات المستجدّة في موازين القوى. أي الانتقال من عقليّة لبنان المكوّنات الطائفيّة إلى عقليّة لبنان الأمّة؛ وبناء نظام سياسي جديد يرتكز على ثلاثة أركان: إدارة لامركزية، قوانين مدنية، ودولة اجتماعية، يلائم خصائص أمّتنا ويلاقي تطلّعات مجتمعنا.

اخترنا لك