أمريكا ترفع الغطاء تدريجيًا عن لبنان : تحوّل ناعم أم انسحاب مقنّع؟

بقلم نانسي اللقيس

يشهد الخطاب الأميركي مؤخرًا تصعيدًا لافتًا في اللهجة حيال لبنان، يوحي وكأن واشنطن قرّرت خفض مستوى التزامها بالملف اللبناني، وربما التخلي عنه ضمنًا، أو على الأقل، التمهيد لإعادة تموضع تدريجية.

ويأتي هذا التحوّل بعد زيارة المبعوث الأميركي الخاص توم براك إلى بيروت، التي حملت رسائل ضغط أكثر من كونها محاولات تهدئة.

ما المقصود بـ “سحب اليد”، وما أبعاده؟

هذا التراجع لا يتم بشكل فجائي، بل عبر مراحل متدرجة، بدأت ملامحها تتضح تباعًا:

1. رفع الغطاء عن التفاهمات الأمنية

في مقدّم هذه المراحل، إعلان واشنطن أن اتفاق الهدنة في الجنوب “لم يعد قائمًا”، وأنه بحاجة إلى تعديل، ما يعني عمليًا انتهاء دور الضامن الأميركي لوقف إطلاق النار، وفتح الباب لتصعيد تدريجي في الجنوب اللبناني.

2. منع المساعدات غير المشروطة

منذ عامين على الأقل، مارست الإدارة الأميركية ضغوطًا مباشرة وغير مباشرة لمنع أي دعم عربي أو خليجي للبنان، ما لم يترافق مع “إصلاحات” تضعها واشنطن شرطًا مسبقًا. هذا الحصار المالي والسياسي ساهم في تعميق أزمات البلاد.

3. التغاضي عن الضربات الإسرائيلية الكبرى

في السابق، كانت الغارات الإسرائيلية التي تطال بيروت أو البنية التحتية تُقابل برفض دولي واضح. أما اليوم، فثمّة إشارات إلى استعداد أميركي لغضّ النظر عن تصعيد يتجاوز الخطوط الحمراء المعتادة، وهو ما قد يُفهم كضوء أخضر غير مباشر.

4. احتمال انزلاق لبنان إلى الساحة السورية

ثمة تقارير تشير إلى أن واشنطن قد لا تمانع حصول اشتباكات محدودة بين القوى اللبنانية وبعض الجماعات الموالية للنظام السوري عند الحدود الشرقية، لا سيّما تلك المرتبطة بنظام الرئيس أحمد الشرع، في سابقة تعكس تبدّلاً في قواعد الاشتباك الإقليمية.

رسائل لا تحمل طمأنينة

ما يُفهم من هذه المؤشرات أنّ الولايات المتحدة لم تتخذ بعد قرارًا قاطعًا بالتخلي عن لبنان، لكنها تسلك طريق التلويح، وتبعث برسائل تنذر بأن الغطاء الدولي بات مرفوعًا. هي لا تزال تُمسك بخيوط التأثير، لكنها تستخدمها للضغط لا للحماية، للتهديد لا للضبط.

في المحصلة، لبنان يقف أمام مفترق خطير. فالدور الأميركي لم يعد كما كان، بل بات أقرب إلى سياسة “دع الأمور تنفجر”، في ظل غياب استراتيجية إنقاذ واضحة، وتخلٍّ تدريجي عن التوازنات التي كانت تحمي الحد الأدنى من الاستقرار.

هذا التحوّل ليس فقط تحوّلًا في السياسة، بل في وظيفة لبنان الإقليمية، وهو ما يضع القوى السياسية أمام مسؤولية وطنية حقيقية: إمّا الخروج من الاصطفاف، أو الانهيار الكامل تحت أنقاض لعبة دولية باتت مكشوفة.

اخترنا لك